عندما تلقيت خبر وفاة شيخنا عوض بن محمد بانجار رحمه الله تعالى ، لم أصدق الخبر ، وكم تمنيت أن يكون الخبر مجرد إشاعة أو تسرع في نقل الخبر ، كان ذلك في عصر يوم الأحد تاريخ 7 / 4 / 2013م ، وعندما تأكدت أن الخبر أكيد تمالكت نفسي ، وأخفيت الحزن في قلبي ، ما أقسى وداع من تحب ، وما أصعب تلك اللحظة .
رحم الله المجاهد و العلامة والمربي شيخنا عوض ، لقد كان رحيله خسارة عظيمة ليس على أهله ومحبيه فقط وإنما على الأمة كلها ، وخاصة أن رحيله جاء في وقت أحوج ما نكون فيه إلى أمثال هؤلاء العلماء الربانيين ، الذين يصدعون بكلمة الحق ولا يخافون في الله لومة لائم ، ولا يحابون الخلق ، ويسعون في الإصلاح بين الناس ، ولكن مشيئة الله فوق كل شي ، وقدر الله وما شاء فعل ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
انه النجم القرآني الذي أفل عن غيل باوزير ، فقد كان نجما ينير غيل باوزير بالدعوة والعلم ، لقد أظلمت غيل باوزير بفقده .
هذا الرجل القرآني ، الذي حفظ القرآن منذ صغره ، وعنده استنباط عجيب للشواهد القرآنية ، لاحظت ذلك خلال حضوري لخطبه ومحاضراته ودروسه .
في آخر خطبة للشيخ في عيد الأضحى المبارك من هذا العام قال ( لعلي لا ألقاكم بعد عامكم هذا ) قالها وكأنه يودع أهله ومحبيه والناس .
لقد كانت حياته ( رحمه الله ) عامرة بالدعوة إلى الله ، لقد كان صوتا للدعوة في مواجهة الفساد ، ومنبراً للعلم والمعرفة في مواجهة الجهل ، وداعيةً للوحدة الإسلامية في مواجهة الانقسام والتجزئة ، وعَلَماً للعدل في مواجهة الظلم ، ورايةً للحرية في مواجهة العبودية .
وأحبُ أن أذكر نبذةً مختصرةً عن الشيخ من خلال مقتطفات من كتابه ( مذكرات من حياة داعية ) التي كتبها بيده وسطرها بأنامله .
ولد رحمه الله في تاريخ 1366هـ الموافق 1945م ، ولقد وافقته النزعة الدينية منذ طفولته حيث كان يرافق والده إلى المسجد .
وأحب الدعوة إلى الله منذ وقت مبكر من حياته ، وسرى حبها في عروقه وشرايينه .
وآمن بها وانطلق بحرقة وعزيمة قاصداً أن يهتدي الناس ، فقد صدع بالحق في فترة الحكم الشمولي ، وتنقل في مدرسة يوسف عيه السلام من سجن إلى آخر .
ورغم التعذيب الذي تعرض له في السجون ، ورغم الحصار عاد إلى نشاطه الدعوي في شكل دروس رمضانية في مسجد باحميد بغيل باوزير الذي كان إماما له حتى قبل وفاته ، وتم اعتقاله بعد ذلك وتعذيبه في السجون ، وفي إحدى تلك السجون قام شيخنا مع مجموعة من الدعاة أمثاله بتحويل السجن إلى معهد علمي تجتمع فيها المواهب والقدرات ، فأقاموا الصلاة ، وحفظوا القران ، وأحيانا يحيون الاحتفالات بالأناشيد ، وأقاموا حلقات متنوعة في التوحيد والتجويد والنحو واللغة والعربية والانجليزية ، وزرعوا الحديقة ، ثم بزرع فجر الوحدة بينما كانوا يعتزمون محاكمتهم محاكمة ظالمة يقتلوا فيها من يقتلون ويسجنوا من يريدون .
وأفرج عن الشيخ فسجد شكرا لله على تفريجه لكربته وإخراجه من محنته .
واستمر في الدعوة إلى الله وفي الخطابة مع معاناة مع المرض ، فقد منعه المرض من الخطابة في الفترة الأخيرة ، وذهب للعلاج إلى الأردن ومازال يعاني من المرض وكان طريح الفراش ولم يستطع الخطابة ولا الخروج إلى المسجد ، إلا انه ظل صابرا محتسبا ، وانتصر على المرض بثباته وعدم يأسه وبابتسامته التي لا تفارق وجهه ، وفي المرة الأخيرة ذهب إلى صنعاء مع أهله حتى توفاه الأجل في يوم الأحد تاريخ 26 / جمادي الأول ، الموافق 7 / 4 / 2013م وصُلِيَّ عليه في ساحة ملعب النادي الأهلي التي بجوار مدرسة الملاحي بجانب المدرسة الوسطى . وأذهلني ذلك المشهد المهيب من الحشود التي أتت من كل مديريات محافظة حضرموت ، لقد اجتمعت وتوحدت كل أطياف ومكونات المجتمع الحضرمي في جنازة شيخنا ، لقد أتوا أفواجاً كالسيل من كل مكان ، بل بعضهم أتى مشياً على الأقدام من القرى المجاورة .
إن عزاءنا بفقده ورحيله أنه رحمه الله تحول إلى مدرسة في الدعوة والإيمان والوعي ، كم تعلمنا منك التفسير والأخلاق ، وكم جاهدت في سبيل الله بالقلم و اللسان ، والمال والبنان ، وكم صدعت بكلمة الحق ، وكم صرت مثالا في التسامح والإصلاح بين الناس .
رحم الله الفقيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ، وألهم أهله وذويه وكل محبيه من بعده الصبر والسلوان، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعظّم الله أجركم .
بقلم : محمد سعيد باوزير