يقول الشيخ الفاضل والداعية المجاهد عوض بن محمد عوض بانجار ـ رحمه الله ـ في رسالته المختصرة (مذكرات من حياة داعية ) :وإتماما للحلقة الأولى :
..... وسألني مسئول المركز فيما إذا كان عندي ترخيص بالوعظ والتدريس فقلت له نعم لدي ترخيص من رب العالمين ومن رسوله عليه الصلاة والسلام .
فالله يقول: ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) "آية" .
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( بلغوا عني ولو بآية بلغوا عني ولو حديث )
ثم قلت للمسئول ماذا تريدون فقال تحمل مسئوليتك .
ولكني لم أفهم ماذا يعني بتحمل مسئوليتك فواصلت محاضراتي بعد صلاة المغرب في جامع (حورة ) .
فما إن أصبح الصباح وصليت الفجر مع المسلمين ثم عدت فنمت قليلاً فإذا بأهلي ينادونني بأن المليشيات تطلبك فخرجت فقابلني رجل مخيف في وجهه غبرة ترهقها قترة قلت سبحان الله ما أخبر الله عنه في القرآن عن حال الكفار يوم القيامة نراه في الدنيا وضاحاً في وجوه هؤلاء المجرمين .
فقادني الرجل إلى المليشيات أي إلى مقر المليشيات وهناك أخبرت أن لديهم أمراً باعتقالي ونقلي إلى سجن (القطن) .
فأخذوني من حورة – إلى سجن القطن فأتوا بي إلى مقر المليشيات بالقطن وجردوني من ثيابي وحزامي وساعتي (ساعة اليد) وحققوا معي ثم قادوني إلى سجن القطن ومكثت فيه بقية يومي وفي آخر النهار جاء كبير رجال المليشيات الذي قادني من حورة إلى القطن وقال لي قم معنا إلى سيئون فأنهم سيلقنونك درساً لن تنساه وسيحسنون تأديبك بعد أن طعنت في الدولة وما تركت عيباً وإلاّ وألصقته بالدولة فقادني ومعه حارس آخر أو حارسان وقادوني إلى سجن (سيئون) وهو جهاز أمن الدولة إدارةً وسجناً .
وقد كان سجناً موحشاً ضيقاً غريباً فقد كان عرض الزنزانة ذراع ونصف تقريباً وارتفاع جدرانها بعيداً جداً وعند السقف فتحة صغيرة جداً علماً أن الباب صغير جداَ من الخشب القوي يحدث الظلمة والاختناق والوحشة وحدِّث ولا حرج .
وأجروا معي تحقيقاً وعذبوني حيث كان الحرّاس لا يأذنون لي بالخروج إلاّ مرة واحدة في اليوم الواحد وإذا خرجت استعجلوني قبل قضاء حاجتي وربما حملوني من مكان قضاء الحاجة حملاً قبل تمامها وأعادوني إلى زنزانتي بالإضافة إلى الاستفزاز والإيذاء ودخل علي رمضان فصمت مع أنهم كانوا جميعاً يفطرونه في إعلاناً وتحدِ .
وبعد شهرين من الزمان أطلق سراحي .
ولكني لم أترك الدعوة إلى الله بعد خروجي فقد ملك حبها على أقطار نفسي فلم اصبر وتجمع الشباب حولي هذه المرة بالعشرات بل بالمئات فكان بيننا الحب في الله وكانت اللقاءات الإيمانية إلى جانب الدعوة العامة في المساجد والرحلات الدعوية والترفيهية وفي عام 1402هـ الموافق 1981م وفي آخر شهر ذي حجة وقد كان الشباب يتجمعون معي كل ليلة في زيارة لأحدهم في بيته ونعقد حلقة ولكن الحزب الحاكم لم يرضى بهذا وغاظه ما يرى من تجمعنا ونحن نمشي ونحن نلتقي ولعبت برأسه الظنون .
وفي مساء يوم العشرين من ذي الحجة عام 1402هـ - 1981م كان جنود وزبانية الحزب الاشتراكي يطوقون المسجد ويطوقون بيتي .
فما إن قضيت صلاة العشاء وقصدت بيتي إلاّ وسمعت من ينادي علي فألتفت فشاهدت وجهاً مظلماً كالذي رايته بحورة يقول لي ( عندنا أمر باعتقالك وتفتيش بيتك ) .
..... ما الذي حدث مع الشيخ ـ رحمه الله ـ وكيف تعامل الطغاة عند تفتيش بيته ، مع وقائع مثيرة وغريبة لن تتوقع أنها حدثت في بلد مسلم وفي جزيرة العرب وبلد الإيمان ، هذا ما سنقرأه في الحلقة القادمة إن شاء الله
بقلم : عبد الله بارشيد