لماذا تعاني صحافتنا المحلية من فقر ( التحقيقات الصحفية ) ؟؟

مع تطور الأحداث وتنوع الظواهر وارتفاع حدة ومؤشرات المشكلات وارتباطها بالحياة العامة ، كان على الصحافة ضرورة ابتكار طرق صحفية جديدة تقوم بمهمة معالجة لتلك المشكلات والقضايا من حيث التفسير والبحث وتقديم الحلول، ما أدى إلى ولادة فن ( التحقيق الصحفي ) كفن صحفي مستقل بل وأحد أهم الأنواع الصحفية.

يعتبر التحقيق الصحفي مجالاً واسعاً للتعمق في تقديم الوقائع والأحداث، ويبحث بعمق عن الأسباب والنتائج، والعنصر السائد فيها هو الدراسة والتحليل والاستنتاج، وهو من أصعب الفنون التحريرية ويشتمل على بقية الفنون الصحفية والتحريرية الأخرى كالخبر والرأي .

ينتمي فن التحقيق الصحفي إلى الأنواع الميدانية، ولا شك أن الصحفيين المحبين للجلوس على كراسي المكاتب الفارهة وتحت المكيفات الهوائية لا يفضلونه إطلاقاً، بل ويتهربون منه أشدّ التهرب هذا إذا أضفنا أن التحقيق يشترط من الصحفي أن يحلل الموضوع وأن يكوّن له رأياً شخصياً يسمح له بالنفاذ إلى أعماق القضية وبالتحرك بسهولة بين مواقف مختلف الأطراف الفاعلة، ومن شأن ذلك أن يحرج الصحفي المبتدئ أو المدّعي الذي لا يمتلك كل تلك المهارات .

وإن كان التحقيق يشترط التحليل والتفكير فهو ليس مقال رأي يسمح فيه الصحفي لنفسه بالإطناب في تقديم أفكاره الشخصية وأحكامه، أو تقديم أفكار مجردة كالتعليق كما نراه في عدد من المواد الصحفية التي يتم نشرها على عجل على أنها تحقيقات صحفية والحقيقة أنها ليست كذلك، فالتحقيق شكل إعلامي إخباري يشترط الاعتماد على الأخبار والوقائع والمعطيات التي يجب أن تتكامل مع الأفكار والتحاليل فترد الأفكار على شكل استنتاجات مدعومة بالوقائع ومعتمدة على المعلومات بكافة أشكالها .

إنّ أهم وظيفة يقوم بها التحقيق الصحفي هي فضح التصرفات غير السليمة أو اللامسئولة، وكشف انتهاكات القانون أو النظام، أو معايير السلوك، أو حتى البديهيات وحسن التصرفات، ونحن هنا لا نركز على الأخطاء ذاتها فحسب كالأسباب التي تكمن وراء عرقلة جهود الحوار الوطني أو السبب في أن كثرة الرسوب للطلبة لدينا أكثر من أقرانهم في بعض الدول الأخرى، ولكننا نركز بالإضافة إلى ذلك على الأشخاص الذين تسببوا في ذلك أو من يرتكبون الأخطاء .

إن رؤساء التحرير أو المحررين الصحفيين الذين يتميزون بسعة الاطلاع والقراءة والتفكير بوضوح وبنظر ثاقب يستطيعون أن يُخرجوا إلى الوجود تحقيقات صحفية غاية في الأهمية كالتحقيقات التي تتعلق بالسياسات العامة أو التحقيقات المدققة، ومن الأهمية بمكان أن نفهم أن التحقيقات نادراً ما تأتي فكرتها من داخل غرف العمل الصحفي أو من صالات التحرير، ولكنها تأتي من الشارع، وهي لفتة هامة بضرورة الالتفات لهموم الناس والحرص على تحري المعلومات من خلال إيقاع الشارع ومتابعة مشاكل الناس الذين تكتب عنهم .

وإجابة على سؤال المقال المطروح فإن فن التحقيق الصحفي يرتبط ارتباطاً جذرياً وكبيراً بشخصية كاتبه، فالتحقيق يعمل على إبراز تلك الشخصية بأبعادها سواءً كانت قوية أم ضعيفة، وهل هي عميقة أم ضحلة، وفي نهاية المطاف فإنه يجب على الصحفي الذي يسعى إلى صناعة تحقيق رائع أن يكون مثقفاً ملماً، وصاحب مقدرة وكفاءة عالية، وذو خبرة ومراس في مجال الصحافة وأن يتصف بسعة الاطلاع ومهنياً لأنه يصنع بناءً مميزاً لموضوع متكامل الجوانب يعبر فيه عن إمكانياته ومهاراته . فهل كل صحفيينا كذلك ؟ فإن كانوا كذلك فسوف ننعم برؤية تحقيقات رائعة ومميزة بين ثنايا صحفنا المحلية، وإن لم يكونوا كذلك فسوف نبقى مدة زمنية لا نعلم طولها ونحن نعيش فقراً في هذا الفن المتفرّد .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع :

• محاضرات في مساق التحرير الصحفي، إعداد د. عبد الله الحو .

• ملخصات شخصية لمقرر الصحافة الإليكترونية،قسم الصحافة والإعلام،م3

بقلم : أحمد عمر باحمادي

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص