يقول الشيخ الفاضل والداعية المجاهد عوض بن محمد عوض بانجار ـ رحمه الله ـ في رسالته المختصرة (مذكرات من حياة داعية ) وإتماما للحلقة الثانية :
فما إن قضيت صلاة العشاء وقصدت بيتي إلاّ وسمعت من ينادي علي فألتفت فشاهدت وجهاً مظلماً كالذي رايته بحورة يقول لي ( عندنا أمر باعتقالك وتفتيش بيتك ) .
ودخلوا البيت فأقلقوا أمنة صراخ امرأة ولا بكاء طفل ولم يحترموا مصحفاً ولا كتباً إسلامية فقد وطئت أقدامهم المصاحف و الكتب وفتشوا تفتيشاً دقيقاً و عملوا حراسة على في بيتي –واخذوا من مكتبتي كل شيء فلم يتركوا أخضر ولا يابس (من كتب ومجلات وسجلات ورسائل حتى أوراق العلاج شهادات المدارس).
ثم اقتادوني إلى مليشيا غيل باوزير أولاً منها إلى جهاز أمن دولة بالمكلا.
وبت في إحدى المخازن وأنا طول ليلتي أصوات الأسلحة فلا أدري أهم يتفقدونها ويصلحونها أم هم أرادوا إرعابي وإزعاجي.
وفي الصباح اقتادوني إلى سجن المنورة المركزي بالمكلا ومكثت فيه شهر واجروا خلاله بعض التحقيقات.
وبعد ذلك نقلوني إلى جهاز أمن الدولة بسيئون قائلين لهم بضاعتكم ردت إليكم أي كأنه عندكم فلم تحسنوا تأديبه فرددناه لكم فلا ترحموه هذه المرة .. - السجن الأول وقد وصفته –
فلبثت سته أشهر ونصف تقريباًًًًًً _ وفي خلالها أوذيت كثيراً أثناء التحقيق بالعبث وبالتعليق فغل يدي بقيد مربوط بحبل والحبل مربوط بخشبه ويضعوا تحت رجلي بعض الطوب فتبقى رجلي مشدودة مقيده مربوطة طوال الليل واخذ التحقيق نصف شهر تقريباً مع الأذى والتعذيب .
وفي ختام هذه المرة جاءوا واخبروني أنهم سيعدمونني وأشعروني أن أكتب وصيتي وربطوا عيني برباط اسود وقيدوني واركبوني سيارة وقادوها خارج الجهاز ومشوا بها طويلاً وهما يضرباني المحقق العدني من جهة والمحقق الحضرمي من جهة وهو السائق وأنا في الوسط فقلت: حسبنا الله ونعم الوكيل فقال: المحقق العدني اخرج ربك من كيسك (أي من جيبك )فخرجت معهما في السيارة و أنا مطمئن منشرح الصدر بالشهادة وأقول في نفسي عم قليل عند ربي مع الشهداء حياً أرزق وسارت بنا السيارة حتى وقفوا في مكان لا أعلمه مربوط العينين لا أرى شيئاً فقال لي المحقق العدني اختر أحد الموتات لنفسك :
أما أن ترمى بالرصاص.
أو تسحل بالسيارة .
أو ندفنك حياً في التراب .
قلت لا أختار إلاّ ما أختاره الله لي فقال حتى موتك لا تختاره وطبق على كل هذه الثلاث فأوقفني العدني خمس دقائق أنتظر الرصاصة القاتلة وبعدها ضربني في بطني ضربة قوية حتى وصل رأسي عند ساقي ثم أخذني وربط القيد بشيء من السيارة وساقها قليلاً ثم أطلقني وذهب بي إلى مكان هش فدفعني فانزلقت وغمرني التراب إلى أكثر من نصفي فأخرجني وقال ألا تأتي بالحقيقةـ ليس معنا عمل إلاّ أنت و سنكرر هذه العملية معك كثيراً ثم أرجعوني إلى الزنزانة دون عشاء وكثيراً ما يتركوني دون غداء أو فطور أو عشاء في كل السجون ويعتمدون ألا يخرجوني لقضاء حاجتي فأتعب كثيراً.
في هذه الفترة توجهت إلى الله في قصيدة هي عبارة عن ابتهال صادقة إلى الله قلت فيها :
يا رب يا رحمن فرج على عوض***فإنه من سجن الجهاز مصاب
يذكر الأهل في ليل وفي صبح *** فما أكثر الدمع على الخدين ينساب
ويذكر الأخوان في حلق وفي ذكر***يدعون يا رب يا ألله يا وهاب
أحببتهم في الله بلا نفع ولا غراض*** وقصدي من الله الرضا والثواب
وشاء الله فافترقنا بعد أُلفة *** وزج بنا في السجون واُغلق الأبواب
فلم أعد أسمع منهم ولم أرى أحداً*** و أوحش الربع وغابت الأحباب
يا رب فرجها نلتقي بعد فرقة *** فيأنس المهموم ويخنس العيّاب
وحيدٌ فريدٌ لا أنيسٌ ولا رقيب*** ولا يسمع صوتي ولا تلبى المطالب
سألتك يا إلهي حياة كريمة *** أعيش حراً وأكفى المشاغب
يا رب صلي وسلم على المصطفى المختار ** محمد بن عبدالله الناسك الأواب
ثم نُقلنا إلى (عدن) إلى سجن فتح ...... يتبع
(....وفي هذا السجن والحديث عنه وعن حال الشيخ فيه نتابعه وإياكم في الحلقة القادمة بإذن الله ولا تنسوا الشيخ من صالح دعائكم له ، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
بقلم : عبد الله بارشيد