عجباً من هؤلاء

المتتبع للإعلام التابع للنظام المخلوع وتصريحات رأس النظام السابق ورموزه يصاب بحالة من الغثيان والاشمئزاز، لما تردده هذه الأبواق الإعلامية من تصريحات وتعليقات على ما يجري من أحداث وتطورات في الساحة المحلية ولاسيما ما يجري في الجنوب، حيث يغلب عليها الطابع التحريضي والعدائي، ونسي هذا الإعلام وهذه الرموز من هو الذي شن الحرب على الجنوب عام 1994م ، وحوّل مشروع الوحدة السلمي من مشروع للشراكة إلى مشروع للفيد والاحتلال، وعمل على تدمير الجنوب بمؤسساته المدنية والعسكرية، غير النظام المخلوع الذي لازالت حتى اليوم رموزه الفاسدة والمتنفذة هي التي تستحوذ على ثروات الجنوب النفطية والسمكية، وعلى الأراضي الواسعة وغيرها من الثروات .. كما أن الأجهزة الأمنية والعسكرية وكثيراً من مؤسسات الدولة تقف على رأسها رموز النظام القديم التي تعمل بقوة على مقاومة وعرقلة أية تغييرات حقيقية تمس النظام السياسي السابق وبنيته، لأن في ذلك مساساً لشبكة المصالح الواسعة غير المشروعة التي بنوها خلال تلك الفترة الطويلة التي حكموا فيها، بل ولازالوا حتى اليوم يحكمون، فهذا ليس غريب من هذه العناصر أن تدافع عن النظام المخلوع، فهذا شيء طبيعي جداً، لكن الشيء الذي أزعجنا هو ركوب هذه العناصر موجة الثورية والدفاع عن التغيير وضد المظالم التي مورست بحق أبناء الجنوب وإدانتها للعنف ضدهم متناسين أن كل ما حصل لأبناء الجنوب سببه النظام المخلوع الذين كانوا بالأمس القريب يدافعون عنه، ولم نسمع لهم صوتاً واحداً يندد عندما كان أبناء الجنوب يُقتلون ويُطلق عليهم الرصاص الحي، ويُزج بهم في السجون والمعتقلات السرية، وتُقام لهم المحاكمات الصورية منذ انطلاقة الحراك السلمي .

الجنوبيون لم يكونوا يوماً انفصاليين، فقد سعوا إلى الوحدة عن قناعة تامة وعشقوها عشقاً، ففي أول زيارة للرئيس المخلوع إلى عدن بعد الوحدة حمل أهالي عدن سيارته على أكتافهم تعبيراً عن حبهم للوحدة، ولكن للأسف هذا الحب لم يقابل بحب مماثل من قبل الشريك، بل قوبل بسلسلة من الاغتيالات والمؤامرات ضد الشريك القادم من الجنوب، ولازال مسلسل القتل مستمراً حتى اليوم ضد أبناء الجنوب ثم توّج هذا التآمر بحرب صيف 1994م التي شنها النظام السابق ضد الجنوب، وأخرجه من الشراكة في الوحدة، ثم أطلق النظام المخلوع أيدي المتنفذين لاستباحة الجنوب أرضاً وإنساناً الذين أخذوا يعيثون فساداً نهباً وقتلاً ..

إن الأحداث المأساوية التي شهدها ويشهدها الجنوب من قتل وعنف هنا وهناك وحرق للممتلكات العامة والخاصة، وكان أشدها عنفاً ما حصل في فبراير الماضي من استهداف بالرصاص الحي للمحتجين في ظل حكومة الوفاق الوطني، والتي من المفروض أن تبتعد بنفسها عن الأساليب القمعية التي كان النظام السابق يستخدمها ضد أبناء الجنوب؛ لكونها حكومة جاءت بعد ثورة .

إن هذه الأحداث تؤكد الحقائق التالية :

1) أن الوحدة الاندماجية القائمة قد فشلت فشلاً ذريعاً، وهذه حقيقة لا يريد أحد أن يعترف بها، وأن أية محاولة لفرض الوحدة أو الانفصال بالقوة ستكون له نتائج كارثية على الجنوب وعلى اليمن، وعلى المجتمعين الإقليمي والدولي .. لذا لابد من البحث عن حل يرضي الجنوبيين من خلال الوسائل السلمية تجنباً لإراقة الدماء .

2) هي تعبير عن حالة الاحتقان والرفض لممارسات النظام المخلوع التي كرسها منذ اليوم الأول للوحدة ضد أبناء الجنوب، حيث شهد الجنوب ويشهد سلسلة من التصفيات الجسدية للعديد من الكوادر المدنية والعسكرية، وطرد الآلاف من مدنيين وعسكريين من أعمالهم ووظائفهم، ونهب الثروات في الوقت الذي حرم منها أبناؤه .

نعم .. كان المفروض أن تكون ردة الفعل لأبناء الجنوب ضد النظام المخلوع ورموزه الذين كانوا سبباً في هذه المعاناة وليس ضد العامل البسيط القادم من الشمال الهارب من جور الشيخ ومن جور النظام .

3) هي تعبير عن حالة الإحباط التي يعيشها أبناء الجنوب مع غيرهم من المواطنين الذين كانوا يضعون آمالاً كبيرة في الثورة لإحداث تغيير حقيقي يقضي على النظام السابق ورموزه الفاسدة ويعيد مليارات الدولارات المنهوبة من قوت الشعب وثرواته، لكن لم يتغير شيء، فأولئك الذين قامت الثورة ضدهم لازالوا حاضرين في المشهد السياسي بقوة، ويتحكمون في كثير من المواقع المؤثرة التي ترتبط بحياة وأمن المواطنين .

4) هي رفض للحصانة الظالمة التي منحتها المبادرة الخليجية، وصادق عليها البرلمان لرأس النظام السابق ورموزه، حيث يُرى فيها استخفاف بأرواح الشهداء والجرحى، وتجاهل للمعتقلين والمخطوفين والمخفيين قسرياً الذين لازال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم .. كما أعطت هذه الحصانة حماية للقتلة والمجرمين، مما ساعد على الاستمرار في مسلسل القتل ضد أبناء الجنوب وضد غيرهم من  المواطنين .. بل ومن المؤسف حقاً أن يكون المتهمون بالقتل والمحرضين عليه موجودين في مؤتمر الحوار الوطني، ويحرم الشباب الذين قدموا التضحيات من التمثيل العادل فيه .

إن ما يحصل في الجنوب من عنف وقتل يعطي مؤشرات خطيرة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع مستقبلاً إذا لم تحل القضية الجنوبية حلاً عادلاً يرضي أبناء الجنوب نتيجة للتعبئة السياسية والتحريض من قبل كل الأطراف وفداحة الظلم والغبن الذي يعيشه أبناء الجنوب .

على الجميع أن يدرك أننا لسنا في حاجة إلى فتح معركة جديدة ضد أبناء الجنوب، فالثورة لم تنتصر بعد، والنظام القديم بجميع مؤسساته ورموزه لازال قائماً ويراقب ما يجري بحذر وخبث وتشفي حتى يجد الفرصة المناسبة للانقضاض على الجميع وحينها لا ينفع الندم .. كما أن هناك قوى إقليمية ودولية هي الأخرى تريد استغلال ما يجري في الجنوب لصالحها في صراعها مع القوى الإقليمية والدولية، ويكون الخاسر الأكبر هم أبناء الجنوب وقضيتهم العادلة (القضية الجنوبية) ..

بقلم / أ. فرج طاحس

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص