التفاوض على جُثَّة سوريا

لقد ظُلِمت الثورة السورية ظلماً كبيراً , وحُمِّلت حِملاً  ثقيلاً , لطختها أيادي نجسة تجيد الخِداع والمراوغة , وتُحسن الدَّس والفتنة.. فزادت جراحها وتناثرت أشلائها بين القوي الكاذب , والصادق الضعيف الذي لا يقدر على شيء.

لقد أُعطي نظام بشار أكثر من وقت وأكثر من فرصة وأكثر من سلاح , لتأديب السوريين الخارجين عن الشر والعبودية والذل والهوان , والمطالبين بالحرية والكرامة , وأعانه على ذلك الأمم المتحدة الأمريكية (القوية) , والأمم المتفرقة العربية (الضعيفة).. كما كان ساعده الأيمن في هذه التصفية الصفوية , سلالة ابن سلول , الذين أمدوه بالغالي والنفيس ومنذ وقت مبكر. 

المقصود بتسليح المعارضة السورية لم يكن التسليح الفعلي لتتمكن المعاركة من مواجهة النظام بالمثل وترد عليه بالقوة , لكنه التسليخ الدولي لشتيت المعارضة , ثم دسَّها بأفراد وجماعات ليست منها , ومن ثم تفكيكها , لتكون بعدها بين مدعوم متشدد , وبين معارض لازالت يده ممدودة للسلطة القاتلة , وبين عميل لا تهمه كرامته بقدر الفتات الذي يحصل عليه من أصحاب اللعبة الكبار.. وفي الوسط يقبع الشعب الموجوع المجروح والمغلوب على أمره , ومعه وثواره الصادقون المغدور بهم من بني جنسهم , والمخذولون من أشقاءهم وإخوانهم , وجيرانهم , ويساندهم في ذلك الذين يتقربون إلى الله - من أجلهم - بالبكاء على الأطلال .

وعلى رصيف السياسة وملفات الساسة , يبقى الشعب السوري وكرامته وحقوقه وخيرت أبناءه طي النسيان وفي خبر كان.. وما أن ينتهى بشار من مهمته سيكون وقت التفاوض قد بدأ..  و كما قال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط  في مقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونية- وصدق فيما قال- ( إن أخبث لعبة في سوريا هي التفاوض على جثة سوريا).

فالمقاومة في سوريا هي الشعب السوري بأكمله وليست جماعة بعينها كما يروج لها , لأن القهر والحرمان والجوع والأسى والدمار والموت الزؤام يتجرعه أبناء سوريا جميعاً سواء الذين هم تحت الانقاض وبين الركام أو من كانوا في العراء على الحدود أو في الخيام عند دول الجوار.

إنها مأساة بكل صورها وأشكالها , لا يشعر بها أصحاب الجلابيب  البيضاء , والكراسي المتحركة.

والهجمة الشرسة - المتأخرة جداً- من السعودية ودول الخليج , على الشيعة باستخدام الجسد السوري كمطية لذلك , وجعل الدماء السورية مدخل لمناوشات ومهاترات لا تسمن من خلاف ولا تغني من ائتلاف , ويعتبر ذلك كارثة تزيد الطين بلة وتكون السعودية هي المجرم الأكبر لتطويل اللعب على جثث السوريين .. والخطوات الناجحة لحلحلة المشكلة بداية طريقها أن ترفع المملكة السعودية ودول الخليج يدها عن سوريا تحت أي مسمى , سواء مصالحة أو  مقاومة أو جهاد أو ...

فحينما أدخل آل سعود أيديهم في لبنان بدأت بالاغتيالات ولا زالت , وجراح اليمن لم تلتئم بعد من طعناتهم , وستكون المناطق العربية التي تليها مثلها وذلك للدعم الدولي الدسم الذي تحظى به السعودية , ولأن آل سعود شيك مفتوح للدول العظمى لأنها الحامي الفعلي للعرش الملكي , والراعي الرسمي للسمسرة  الخليجية , والذي سيجعل الأمور على ما يرام , وفتاوى خمسة نجوم ستكون جاهزة , وفي أي وقت لإقناع جمهور البسطاء بجواز الحرام  في البلد الحرام  من ابن الحرام .

بقلم : فؤاد الحبيشي

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص