هل الجماهير دائماً على حق ؟!! ..

لطالما سمعنا بالعبارة الشهيرة التي يرددها أصحاب المطاعم على العاملين فيها بأنّ (الزبون دائماً على حق)، وفي عالم التجارة ربما تكون هذه العبارة مجدية ونافعة كي لا يخسر التاجر زبائنه وعملاءه وبالتالي أرباحه.

 

لكن في عالم السياسة والعمل الجماهيري، لا سيما في المشهد العربي والمحلي الذي اصبحت فيه موضة المليونيات والجُمَع رائجة وتُستخدم من قبل كل الأطراف على اختلاف مواقفها التي ربما تكون متعارضة ومتناقضة كوسيلة للتعبير عن حجم التواجد والسيطرة على الشارع والجماهير، ما يجعلنا نتساءل: هل الجماهير دومأ على حق؟ وهل الحشود وإن كانت كبيرةً ضخمة تعبّر عن عدالة قضيّة وصدقيتها وصحتها؟!!

ما جعلني أتساءل هو الموقف الذي حدث لي مع أحد المثقفين الأكاديميين حينما سألته: لماذا اصبحتَ مؤيداً لرؤية الانفصال ولم تكن كذلك بل كانت لك رؤية أخرى مغايرة؟ فكان جوابه بسيطاً ولكن في تقديري ضحلاً سطحيّاً: (لأنها رغبة الجماهير)، فلاحقته بسؤالٍ آخر: وماذا لو طالبت الجماهير غداً بالوحدة أو استقلال حضرموت وخرجت في الشوارع بمئات الآلاف أو الملايين؟! فأجاب: (لن تطالب بذلك، وإن طالبت فالجماهير هي صاحبة القرار) !!!!

إن هذه المنهجيّة في التفكير هي التي أصبحت حاكمة اليوم، وهي التي حكمت من قبل وأودت بالشعوب العربية إلى ما عانته وتُعانيه، فحركة الجماهير غير منضبطه وعوامل تحريكها ودفعها ليست على الدوام تحمل النوايا الصادقة أو تتم بالطرق السليمة، فكم خرجت من مليونيات تؤيد الطغاة والقتلة ممن داسوا على رقابها عقوداً من الزمن وترجوهم البقاء، فهل كانت الجماهير محقّة؟!، وكم خرجت الجماهير تطالب بتخفيض الرواتب وتحريق (الشياذر)، والقضاء على (الإقطاع والكهنوت) فهل كانت محقّة؟!! وكم رددت (سندكّ الاقطاع حتى النخاع) و(سالمين نحن اشبالك ...) فهل كانت محقّة؟!!

لذا فالتحاكم إلى الحشود وجعلها المقياس والميزان على صدقيّة القضايا هو مغالطةٌ منهجيّة لا تليقُ بمفكّرٍ أو مثقفٍ واعٍ، بل هي وسيلةٌ يستثمرها المقامرون السياسيّون اللاعبون على عواطف الجماهير، وإن كان من الممكن أن تكون مؤشراً وجرس إنذار لتعاظم قضيةٍ ما أو مطالب ما، ولهذا أنتجت الإنسانيّة الكثير من أدوات القياس لتوجهات الناس وآرائهم ومواقفهم بمنهجيّة علميّة وأدوات ذات صدقيّة عالية كاستطلاعات الرأي العلميّة والانتخابات والاستفتاءات، بعيداً عن نظريات سوق القطيع والتجميع والتحشيد ..

إن الحشود الجماهيرية هي واحدة من وسائل التعبير وتحمل مؤشرات على إرادة جماهيرية وقد تكون محقّة وصادقة ولا ينبغي الاستهانة بها أو التقليل من شأنها، لكن لا ينبغي الاغترار بها والتعويل عليها كثيراً مقارنةً بمنهجيات التفكير السليم وقياس الأمور بالمنطق والعقل والحكمة ..

بقلم الدكتور : عادل باحميد

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص