المال بين الإسراف والاستعفاف

 قبل أيام تأثرت بمشهدين في المكلا ، المشهد الأول  حدث أمام عيني ، لقد رأيت امرأة تقف أمام صندوق القمامة وهي تبحث عن لقمة تسد بها جوعها ، وجوع عيالها ، وما يمكن أن يكون صالحاً للبيع ليعود عليها بمبلغ زهيد تنتفع به ، فقلت في نفسي كنت أسمع بهذا ، وأشاهده في التلفاز ، أما اليوم فقد شاهدته بأم عيني ، هل وصل الفقر إلى بعضهم إلى هذه الدرجة ، وكم من أسرٍ فقيرةٍ تحتاج إلى تقديم يد العون والمساعدة ، يحدث هذا في ظل عبث بالمال العام ، واختلاسات وسرقة ، أليس من الإسراف أن يضيع المال  في الترف والضياع فيما ليس فيه فائدة ، بدلا من الحفاظ عليه وتقديمه إلى من يحتاجه ؟

والمشهد الثاني يعكس مدى الحفاظ على الأموال والأمانة والعفاف عن ما في أيدي الناس ، فقد سمعت به وقرأته في صحيفة 30 نوفمبر العدد 41 ، يحكي المشهد أن شاباً يدعى باحمران وكان عاملاً في صندوق النظافة ، ولم يكن ينظف الشوارع والأماكن لتصبح جميلة المنظر ، بل كان ينظف يده أيضاً عن الاختلاسات التي يقع فيها بعض المتنفذين ، خرج باحمران ذات يوم إلى عمله في مقر إدارة صندوق النظافة والتحسين بديس المكلا ، وبينما هو يمشي في الطريق شاهد سيارة هيلوكس واقفةً تحت مبنى إدارة الصندوق ، وشاهد في حوض السيارة كيساً ، وأخذ ينظر لعل صاحب الكيس موجوداً ، فلم يرَ أحداً فأخذ الكيس ، واندهش عندما فتح الكيس وإذ به مبلغ من المال يقدر بنحو اثنين وعشرين ألف دولار ومائتين وخمسة ألف ريال سعودي ، انه مبلغ كفيل بأن يحقق طموحات وأحلام باحمران الشاب البسيط الذي يعمل بالتعاقد مع صندوق النظافة ، هذا المبلغ سيجعله يعمل مشاريع تجارية ، ويتزوج ويصرف على أهله وزوجته وعياله ، و يُحَسِنْ من حالته المادية ، ولكنها الأمانة التي يتحلى بها ، وأخلاقه الإسلامية التي جعلته يخاف أن يأخذ ما ليس له ، فأخذ الكيس ، يا ترى أين سيأخذه ؟ أخذه إلى مديره في العمل ليتصل بإذاعة المكلا وصحيفة 30 نوفمبر للإعلان عن المبلغ الضائع ، ثم حفظه في بيته حتى يسأل عنه صاحبه .

وفي يوم من الأيام اتصل به صاحب المبلغ ، يخبره انه صاحب المال واتفقا على موعد لتسليم المال ، فأخذ الرجل المال فرحاً بعد أن يأس ولم يكن يتوقع أنه سيعود إليه في زمن ضعف فيه الوازع الديني و الضمير الإنساني عند بعض الناس  ، كان هذا المبلغ خاصاً بمشروع بناء مسجد ، ولكن الألم الشديد الذي تعرض له الرجل فجأة في إحدى الكلى جعله ينسى المال في حوض السيارة ليفزع إلى أقرب مستوصف ليعالج نفسه ، وقام الرجل بتقديم مكافأة للشاب على أمانته ، وامتنع عن استلام المكافأة  قائلاً ( أنا عملت هذا العمل أبتغي به مرضاة الله ) . 

بينما هناك أناس يسرقون الأموال التي ليست لهم ولا يخافون الله ، ولا يقدرون للأمانة قدرها ، بالرغم ما معهم من الأموال التي يملكونها ولكنه طمع النفس الذي نظَّفَ باحمران نفسه ويده منه ، انه درس عظيم في الأمانة يغني عن الخطب والكلمات والمواعظ .  

بقلم : محمد سعيد باوزير

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص