فوجئت باتصال غاضب , هو من صديق حائر فاقد الحيلة والوسيلة صادق القول والموقف جاد الحديث نقي السريرة .. هو الصوت المتسائل والغاضب وهي الرسالة التي تحمل لنا جميعا الإدانة الكاملة .
هي الرسالة الصرخة والحديث الطلقة , الموجهة أولا لمن هم على قيد الحياة وخارج السجون من ثوار واحرار شعب اليمن ومكوناته الثورية كافة .
وهو الصوت الحزين والأسير والموجه تاليا وبمناشدة انسانية طارئة ومطالبة ظرفية عاجلة للنشطاء الحقوقيين والمختصين القانونيين داخل اليمن وخارجه والمنظمات والهيئات الوطنية والدولية ذات العلاقة والاهتمام والاختصاص كافة .
بنبرة غاضبة وحائرة جاء صوته الحزين مسترسلا في حديث جلد الذات الأليم .. قائلا ..
(لوكان عندنا شوية دم وذرة شعور وقليل من حياء ما تركنا اخواننا الثوار في ظلام السجون حتى الان وهذه أكبر جريمة نرتكبها في حق أنفسنا نحن الادعياء بوصلنا بالثورة والحرية , قبل أن تكون جريمة بحق المعتقلين والمخطوفين والمخفيين قسرا .. واعلموا , فأما الشهيد فهوا مع الله في ملكوته ينعم بجنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى , أما جريح الثورة ومصابها العليل المغلوب على أمره فلهُ ألف صوتا وصوت يدافع عنه وعن حقوقه ومستحقاته في العلاج والتطبيب بالإضافة لصوته الحر العالي في الساحة والميدان ... أما عن المعتقل المرابط فليس لهُ من أمل أو ملاذ إلا صوتنا وجهدنا في الساحات نحن رفاقه الأحرار المنتشرين في الميادين , نحن من ننعم اليوم بالحرية وخارج السجون والزنازين والغارقين بنعيم الدنيا بعيدا عن مشهد وهموم السجين , دون رادع من دين أو تأنيب من ضمير , وهو ذلك السجين الصابر المسكين , الذي يرنوا إلى تضامنا معه ويعتمد على ما تؤول اليه جهودنا لتحريره من أهوال المعتقل الرهيب , هو رفيقنا الواعد الواثق بقدوم الغد الأفضل الجميل وهو يتوق قبل ذلك لمعانقة فجر الحرية الذي طال انتظاره في آمال لا تنتهي ونداء لا يستجيب !..فماذا عن رفاق لم يستجيبوا لصرخة مظلوم وأنين الأسير ؟ ويسأل الضمير عن ما قدمت يميننا من أجل اطلاق حرية هذا السجين.. وها نحن اليوم نبخل عليه بأقل الجهد وأضعف الصوت !؟ اليس في ذلك نوع من الانانية والجحود بقدر ما علينا من حقوق لهم ؟.. نعم هو نكران المعروف والجميل نواجهم بهِ وهم من اسبغوا علينا هذه النعم بفضل من تضحياتهم العظيمة ؟! هي غريزة الأنانية وحب الذات , تلك الغريزة الفاسدة والسيئة التي لا يكاد يخلو بشر من سمومها وشرورها .. نعم نحن بصمتنا المخجل ننتصر ضمنا لخفافيش الظلام الذي يؤذيهم نور النهار ..ونكسر روح الأسير .. نعم هو وحده الإيمان من ينتصر على الجحود ونكث العهود ويهزم عسس الليل ويبدد الظلام وينشر السلام .
كل يوم اضافي يمر على أولئك الأشاوس من صناع فجرنا الجديد وهم في السجون هي وصمة عار تنال من مصداقينا وهي الشهادة على نكراننا لتضحياتهم وانغماسنا في نعيم هم صانعوه ..وهي الشهادة ايضا على كذب شعاراتنا وزيف مشاعرنا.. نعم , نحن لسنا من رفاقهم المخلصين الصادقين ؟, فالأحرار والثوار لا يكذبون ولا يزيفون !؟... والله ما قرت عين ولا غمض جفن ولا هنئت نفس ورفاقنا يعذبوا في السجون وينال منهم الظلم وأراذل القوم .
نحن في صمتنا المخزي والمشين لا نختلف عن سجانيهم كثيرا , بل نحن شركاء لهم في ذلك الجرم المشهود بصمتنا العاجز وقلة حيلتنا وغياب وسيلتنا ..اليس هم ذات الرفاق من وقفوا معنا في السراء والضراء ؟.
نعم هي تلك المكالمة الصادمة للحقائق والمشاعر , والحديث الذي جهر بهِ صديق غاضب هو أخ عزيز ورفيق قدير وشريك درب ومسير , وهو ايضا من المعتقلين السابقين ممن قاسوا من ليل الزنازين الطويل وذاقوا مرارة التعذيب المهين.. وجدت نفسي في حالة من الألم والحزن الشديد بل وتنازعني مشاعر متداخلة وهواجس متمردة تريد الثأر لرفاق الأمس القريب , فالقضية والحقيقة الضائعة تكمن هناك في كل كلمة من حديث ورسالة صديقي الحميم ورفيقي المعتقل القديم , من فرقتني عنه هموم الحياة ومشاغلها , انها تلك المكالمة التي بمجملها وتفاصيلها اتهام وادانة لنا جميعا .. لكلا من يحمل رأي حر أو قلم يكتب أو قلب ينبض أو يملك بقايا من ذرة ضمير .. نحن من نمتهن وسائل الاعلام ونحترف أدوات التعبير.
أخي ورفيقي (الأمين) على العهد والوفي للمسير .. ها أنا الجاء إلى أضعف الايمان وأبوح بهِ في العلن لتبرير التقصير المخزي أملا أن أمحي عجزي المهين ..وها أنا أُعيد نشر كلماتك الحرة التي كسرت القيد ورفضت الصمت الطويل ها أنا أخرجها للنور في مواجهة الجحود لعلها تعانق رفاقنا في السجون , هي وسيلتي العاجزة الجاء اليها قاصدا أن توقظ الضمائر النائمة وتنهض بالعزائم الواهنة وترشد النفوس الحائرة .
بقي علينا أن نفصح عن جوهر الأمر ونقول أن رفيقي الثائر القديم والسجين السياسي السابق الدكتور امين أثار قضية هي في غاية الأهمية والخطورة متعلقة بالحقوق الدستورية والإنسانية للمواطن اليمني المتساوي في الحقوق والواجبات فالجميع متساويين أمام القانون وذلك ما نعنيه بالمواطنة المتكافئة للجميع , ومن هنا ربط الدكتور امين بقاء المعتقلين والمخطوفين من الثوار والأحرار المنتميين للتيارات الوطنية كافة في صنعاء وعدن وغيرهم من أبناء جميع المحافظات اليمنية عموما وتغييبهم في ظلمات الزنازين وغياهب السجون بسيطرة بقايا النظام القديم على مفاصل السلطة القضائية وخاصة مؤسسة النيابة العامة بداء من أصغر هيئاتها الى أعلاها في مكتب النائب العام وهنا نقصد تحديدا الدكتور علي الأعوش النائب العام للجمهورية التي ارتبطت ظروف تعيينه في هذا المنصب (حينها) بوقائع عديدة ملتبسة يعرفها الجميع وتدعوا للشك والريبة في النوايا الحقيقية من وراء ذلك التعيين ؟ ومما يزيد الأمر غموضا وتعقيدا هو ذلك النوع من عدم المبالاة والإهمال المبالغ فيه والعصي على الفهم والتفسير والذي أستمر طويلا في عدم الاهتمام والمتابعة لهذا الشأن الجلل من قبل بعض رؤساء النيابة المختصة في قضية هامة كهذه تسيء في جوهرها ومجمل تفاصيلها الى مصداقية سلطات ورموز العهد الجديد وللرئيس هادي تحديدا المستهدف الأول والأخير من الاصرار على الاستمرار في تغييب شباب الثورة في ظلام الزنازين وغياهب السجون , وليعلم هادي أن الأمر أُعد بليل في اهمال مسيس واصرار مقصود من قبل الأجهزة الأمنية والعدلية , وهنا تصبح شكوك صديقي امين بمصداقية وحيادية النائب العام عناوين كبيرة لأسئلة جادة ذات معنى خطير ويصبح الأمر برمته حركة يائسة ومحاولة غادرة لاغتيال المولود الجديد في ايامه الأولى ! بل وتصبح قضية رأي عام جديرة بالاهتمام والتدقيق من أعلى السلطات المعنية في الوطن ونقصد هنا تحديدا الدكتور علي ناصر سالم رئيس مجلس القضاء الاعلى والقاضي مرشد علي العرشاني وزير العدل والدكتور علي احمد الأعوش النائب العام , بموجب مسؤولياتهم القانونية وبحكم سلطاتهم واختصاصاتهم الوظيفية والادارية المباشرة في المؤسسات القضائية والعدلية ,ويأتي الرئيس هادي في طليعتهم كونه المعني الأول بهذا الاستهداف السياسي والسلوك التأمري سعيا لضرب مصداقيته بين الجماهير واغتياله اخلاقيا قبل سقوطه مؤسسيا , إلا أنه عندما لا يكترث كل أولئك المسؤولين ويسارعوا لإنصاف معتقل مظلوم لم تصادر حقوقه كافة فحسب بل وانتهكت ادميته بشكل سافر دون ذنب او تهمة تذكر فأنه يحق لنا ان نرفع أصواتنا عاليا ونطالب بتوضيح الأمر الجائر ورفع الغموض المصطنع عن موضوع جلي كهذا , بل ويكبر السؤال في اذهاننا وضمائرنا عن مصداقية وحيادية بعض الجهات العدلية المسؤولة عن انصاف المواطن وحماية حقوقه الانسانية والدستورية ..
لا يمتلك جهاز الأمن السياسي- قانونياً- سلطة الضبط القضائي وليس مخولاً بالقبض على الأشخاص وسجنهم، إذ أن كل محتجز لدى الأمن السياسي لأكثر من 24 ساعة دون احالته للنيابة أو القضاء يعتبر مخالفاً للقانون وخارجاً عن إطار العدالة.. مما يعد وفقاً للشرائع والقوانين المحلية والدولية انتهاكاً صارخاً للحرية الشخصية التي نص عليها الدستور ..وهنا نعجب أين اللواء القمش من كل هذا الذي يحدث في دهاليز وسراديب سجونه الرهيبة ! نعرف أن القمش كان ضمنا من أنصار الثورة الهامين وكانت خيمة منتسبي الأمن السياسي من أوائل الخيم في ساحة التغيير جوار جامعة صنعاء وقرب مجسم الحكمة اليمنية بل أن القمش تعرض لأكثر من محاولة اغتيال بسبب من موقفه الايجابي من الثورة بل أنه كان مرشحا لمنصب مدير مكتب الرئاسة قبل نصر طه .. الخ , فما الذي يحدث الأن في مؤسسته الأمنية ؟أم أنه لا يملك السيطرة على بعض مرؤوسيه؟ كنائبه ووكيل الجهاز ؟أم أن صلاحياته غير كافية لإطلاق المعتقلين من شباب الثورة والحراك الجنوبي وحركة الحوثي ..الخ , أم ان الأمر بمجمله لا يخرج عن نطاق أن حليمة عادت لعادتها القديمة وديمة خلفنا بابه !؟ مع أن حليمة التي أعرفها لم تكن دموية أو متعسفة كأسلافها الأخرين وهو دمث الأخلاق حسن السلوك طيب المواقف في تصديه لمهام نبيلة كهذه .. فلماذا لا يسارع من تلقاء نفسه في النزول الى الزنازين المظلمة والتدقيق في التهم الموجهة للثوار والمناضلين وسلامة إجراءات القبض وأطلاق حريتهم بمعرفته وعلمه وسلطته التي نعلم أنها لا سلطات عليها أو فوقها , وذلك هو اللواء غالب القمش الذي نعرفه .. أم ان الزمان قد تغير واهلهُ ؟ وأصبح القمش فوق كل اعتبار وما زال يرى نفسه بقايا من عهد سابق ونجم قد أفل ,غارقاً في غطرسة ظالمة لا جدوى منها أو معنى لها سوى تعسف الحق والحقيقة وظلم الناس فأينه من خالقه ويوم الحساب ؟ وقابل ربك مغفور الذنب ولا تحزن فأن ربك غافر الذنوب وقابل التوب أما في الدنيا فالحل هو العدل .. فهل القمش فوق العدل والرحمة والقانون وأكبر من الدولة.... حتى لا يأتمر بأمر رئيس الدولة وباسندوة ووزير حقوق الإنسان في مذكراتهم العديدة بهذا الخصوص تطالب جميعها بإطلاق سراحهم!؟ .
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ حم [1] تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [3] مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ [4] كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ ۖ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ۖ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) وأنت الرجل المؤمن الورع .
لانعدام المبرر الخاص باعتقالهم. مما يسيء إلى منصبه ، ويدينه بإقرار مخالفة دستورية وقانونية وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، فأي مرجعية يتطلبها قرار وضع حداً لمعتقلي الرأي السياسي منذ أكثر من ثلاث سنوات دون اتهام أو إحالة للنيابة والقضاء، ألا يمثل ذلك اعترافاً بأن الأمن السياسي خارج القانون!؟، كما عجزت الثورة عن الشروع في برنامج العدالة الانتقالية المفترض أن يكون معتقلو سجون القمش والقومي وغيرها في طليعة المستفيدين منه.. ففي الوقت الذي نجد فيه أن القتلة والمخربين وكبار المفسدين ونهابي الممتلكات العامة والخاصة ينعمون بالحرية والعطايا السخية، يقضي مواطنون بسطاء أجمل سنوات عمرهم داخل زنازين القمش المظلمة بينهم 34 معتقلاً من محافظة عدن حالتهم الصحية سيئة في احتجاز خارج عن سلطة القانون ودون تهم ودون محاكمة بينهم شخص مصاب بالسرطان وما زال الجهاز يرفض الإفراج عنه لتلقي العلاج كما يحدث في بلدان العالم المدني الحر , أم أن القمش لا يخضع للقانون ولدستور الجمهورية اليمنية؟! ..لا تكمن المأساة في تجرع مرارة السجن والتعذيب وتحمل ليل القمش الطويل ،فحسب بل في انتهاك سيادة القانون وتعسف الحقوق المدنية والحريات السياسية وهو موضوع لابد من تصعيده للمنظمات الدولية المعنية وبشكل جاد وأسلوب فاعل بعد هذا الصبر الطويل ... جميع هؤلاء المعتقلين اضطهدوا وتعسفت أبسط حقوقهم الانسانية ويحتاجون لمن يقف إلى جانبهم ويسارع لإطلاق حريتهم ، غير أن القمش بجهازه الاستخباراتي قضى على كل هذه التطلعات، وتعمد أن يحفر في قلوب هؤلاء المستضعفين جراحاً لا تندمل، ويشويها بنار القهر والظلم، غير آبهٍ بمصيرٍ فاجع يجره الظلم نحوه، فكيف تهنأ عيناه بالنوم والله عنه غاضب وساخط .
أخي الدكتور أمين ,لنعود متوحدين كما كنا معا ودائما , ونجتمع على نور الصدق وقوة الايمان التي هي قادرة أن ترشدنا مجددا إلى طريق الأمل والرجاء وتقربنا من تحقيق أمانينا الجميلة القريبة منها والبعيدة .. تلك الأماني الطيبة التي نستهلها بالدعاء والغناء لكوكبة من رفاقنا غيبهم عنا طغيان ظالم ونكران جاحد واهمال عاجز مثلنا ..
ولعل في عزمنا الجديد شيء من عزاء لنا .. ولا نامت أعين الجبناء .
بقلم / طارق مصطفى سلام