يوم أمس في صنعاء أوقفت صاحب التاكسي وبدأت معه معركة التشراط في الأجرة .. لا يهمني كم يستحق بقدر ماكان يهمني أن لا استسلم لجشع تاجر صنعاني من أول مرة .. وكالعادة لايكون الخلاف كبير فهو حول مائة ريال تزيد أو تنقص العبرة في من ينتصر في الأخير ويأخذ الكأس ويمرر شفه .
أكتشف صاحبنا انه يفاوض حضرمي عنيد وصعب المراس حينها أعلن صاحب التاكسي الاستسلام .. بدأ المشوار وبدأ صاحبنا كعادة أصحاب التكاسي يفتح شهية ضيفة للثرثرة بحسن نية أو بغيرها .. يبدأ السؤال من أين أنت ؟ وكيف الأوضاع ؟ وتعتبر كيف الأوضاع هي مفتاح كلمة السر لولوج مستنقع السياسة والخوض في وحلها وثرثراتها الكثيرة .. وكحضرمي حريص وهو ضيف في صنعاء .. كانت الإجابات على قدر السؤال دون زيادة ولانقصان .. كل ماقلته لكم الى حد الآن ليس مهما وليس هو بيت القصيد .. بيت القصيد هو في أنني أكتشفت أنني هذه المرة قد ساقتني الأقدار الى سائق تاكسي فريد من نوعه .. إنه مثقف متبحر وسياسي متبصر .. وشاعر وأديب وناقد .. بدأ كلامه حول الوضع والعلاقة بالسعودية ومروراً عبر الثورة ومستقبل اليمن .. والذي يهمني هنا مستقبل اليمن .
لقد أذهلني وهو يردد ويهذ على مسمعي قصيدة غريبة فريدة للشاعر عبد الله البردوني كتبها قبل أكثر من عشرين سنة وتحديدا عام 90 م عام الوحدة ذكر فيها أمور تشيب لها الولدان .. إنها قصيدته الرائعة ( ربيعية شتاء ) ولنا ان نتوقف أولاً عند كلمة ( ربيعية ) من ( الربيع ) وهاكم بعضا مما سمعت على لسان صاحب التاكسي وكيف فسره لي :
يقول البردوني في أول قصيدته وهو يتحدث عن الوحدة وأنها ليست سوى خدعة .. قال :
قل: أصبح الشطران بي شطرةً لابأس في جرحيك أن تَرْفُلي
كيف التقى نصفي بنصفي ضحىً في نضج مكرِ العصرِ يامأملي
ويروي كيف احتفى الناس بها وطبلوا لها وهي عبارة عن جرح كما أشار في البيت الأول فقال :
هل تسمعين الزفَّةَ الآن؟ لا أصمَّني يا (دامُ يابَلْبلي)
تسعون طبّالاً وطبّالةً شهراً وقالوا: مثلُهم طبِّلي
ثم يتساءل أي علي من العليين سوف ( يخصي ) صاحبة فقال :
يابنتَ أُمَّ (الضهضمدِ) قولي لنا : أيٌّ عليٍّ سوف يخصي علي
إن النفط ونهب النفط ( شركة هنت) هي السبب فقال :
وقال مضنٍ يالعقيم التي شاءت مواني (هنتُ) أن تحبلي
يابنتَ أُمَّ (الضهضمدِ) قولي لنا : أيٌّ عليٍّ سوف يخصي علي
قولي لماذا كنت أمثولةً سحريةً من قبل أن تَمثُلي
وكلنا يعلم أي علي خصى علي .. لكن البردوني لم يتوقف هنا فقال ماهي إلاّ عشرين عام من عام 91م وحتى 2011م وينجلي الذي كان بها مختلي أي الذي اختلى بها ( السلطة ) منفردا . فقال :
عشرين عاماً: سوف تأتي غداً ما اسم الذي كان بها مُختلي ؟
وماذا سيحصل له ؟؟ قال :
وللمقاهي عنك صوتٌ لهُ أيدٍ ، وصوتٌ فاقع بُلبُلي
وصائح يدعوك أن تقفزي وهامس يوصيك أن تكسلي
محاذراً أن تأكل الجمر عن أنياب مقتاديك أو تؤُكلي
تدرين؟ كم قالوا ولم يفعلوا قولي: تنحّوا جانباً وافعلي
وفعلا تنحى جانبا بعد أن قال له ناس أن يبقى وناس أن يرحل وناس أن يقفز .
المهم التقى الناس على نصف حل وهو المبادرة الخليجية فقال :
قالوا: إلى نصف الطريق التقوْا سجِّل بلا حيفٍ وقلْ: حلِّلي
زادوا على رأسي رؤوساً فهلْ تزيدني رِجلاً إلى أرجلي
ثم تحدث عن الجمع التي تقام في الستين والسبعين .. احدها تناديه بأن يرحل والأخرى تطالبه بان يبقى .. الأولى تقول له إن بقيت ستقتل والأخرى تقول له إن بقيت سوف تعظم فقال :
في الجمع تذكين الجدال الذي يميز الأبقى من المرحلي
هل أنت من تُحيينَ كي تعظُمي أو أنت من تُحيينَ كي تَقتُلي؟
ثم تطرق الى ذكر الصاروخ وكيف كاد أن ينهي الموضوع في مسجد النهدين حينما وضع الجميع اكفهم على قلوبهم فقال :
يا صاحب الصاروخ قلبي على كفِّي كتابٌ خلفهُ منجلي
وبين أن الحل كان في الالتقاء في نصف الطريق عبر المبادرة الخليجية وحكومة التناصف حكومة الوفاق وان النتيجة هي أن يوضع نصف اليمن الأعلى في الرف وينقلب علي اليمن سافلها .. قال :
ضع نصفيَ الأعلى على الركن أو حوِّل أعالي قامتي أسفلي
مااقتاد تغييرٌ خطاي التي صيَّرن مالا ينطلي ينطلي
ثم ينادي من جاء بعد عبد الله صالح الى الحكم فقال :
ياطلعةً ماأذبلت مطلعاً تقدَّمي هيهات أن تذبلي
ويا ربيعاً شق عمر الشَّتا تهدّلي للصيف واخضوضلي
إن زيّن الإكليلُ مَنّ قبلهُ فكلِّلي مَنْ بعده كلِّلي
مذ جئت جاء البدءُ مَنْ بدئِه وعاد من آخره أوّلي
واجتاز ومضاً كان مُستدفئاً به إلى الوهج الذي يصطلي
فأنكر التأريخ تأريخهُ لمّا استبان الأمسُ مستقبلي
: لا رأسمالياً أرى ذا الفتى ولا اشتراكياً ولا هيجلي
لا في (بني عبد المدان) اسمه لا من (بني باذان) لا (عَبْهلي)
وعنده زائرة مثلهُ.. تزف (عنِّيناً) إلى (المُشكِل)
المهم القصيدة طويلة وشرحها طويل وفيه مجال للاجتهاد والاختلاف .. اوشك المشوار على النهاية ولايزال صاحبنا مستبحر في كلامه فوددت أن المشوار طال أكثر .. والاستمتاع مع هذا الرجال زاد وقد يكون مصيبا في بعض كلامه وقد يكون مخطئاً .. المهم انه ومن قبيل الصدف أن كانت في الدنيا صدف قد قابلت رجل مباشرة بعد هذا المشوار وتحدثنا عن الأوضاع فقال لي : ياويل عدن من صنعاء وياويل صنعاء من دثينة .
والى اللقاء القادم وسنتحدث عما قيل في حضرموت وماذا ينتظرها في قصص وأساطير وحكم وأمثال الأولين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
بقلم : محمد احمد بالطيف