ثورة أخلاق و محبة

انطلقت ثورات الربيع العربي تدعو إلى الحرية ، وتناشد العدالة الإنسانية والاجتماعية والسياسية ، وتنادي بالمساواة ، ونشر روح المحبة بين الناس ، وتقف ضد الظلم والاستبداد ، وضد مشاريع التوريث ، وسياسة الحزب الواحد المستبد ، وظهرت هناك دعوات ؛ تدعو للعودة إلى الماضي والرجوع للخلف ، وتحرض على العنف والعداوة ، وتنشر العادات الدخيلة على المجتمع ، و الأخلاقيات السيئة والرذيلة ، وتغذي ثقافة الكراهية بين أفراد المجتمع الإسلامي التي تربطهم رابطة العقيدة الإيمانية والأخوة الإسلامية ، فلابد من ثورة أخلاق تجدد الأخلاقيات الجميلة الموجودة ، وتقلص أو تقضي على سيئها وقبيحها .

لقد حاولت الأنظمة المستبدة وضع العراقيل والأزمات أمام إرادة الشعوب لكي تقبح وتشوه الثورات ، فقد تعرضت بلدان الربيع العربي إلى أزمات كثيرة ، فهناك أزمة في البترول والديزل ، وأزمة في الكهرباء ، ولكنها لم تستطع أن تثني الشعب عن الاستمرار في مطالبه ، و لكن هناك أزمة خطيرة تكاد تكون أخطر من الأزمات السابقة لأنها تمس الإسلام ، فالأخلاق جزء من ديننا الإسلامي ، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم أول ثورة قام بها كانت تدعو إلى الأخلاق ، إذ يقول : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، وجدد الأخلاق الموجودة في المجتمع الجاهلي كالمروءة والكرم والشهامة وغيرها ، وقضى على الأخلاق السيئة ، وقام صلى الله عليه وسلم وحيداً مواجهاً للظلم و الاستبداد ، والجور والاستعباد ، وفي خضم الجاهلية أخذ يدعو لأخلاق الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتجسدت الأخلاق في معاملاته و سلوكه حتى وصفه ربه بقوله : ( وانك لعلى خلق عظيم ) ، وشهد له كفار قريش بالصدق والأمانة والأخلاق الحسنة ، وقد كسب النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أعدائه قبل أصحابه ، وتعامل مع جفا الأعراب وقسوتهم وجهلهم ، بالحلم واللين والحكمة والصبر ، ما أعظم هذه الأخلاق التي فتحت قلوبهم لدعوته !.ما أحوجنا وما أحوج مجتمعاتنا لهذه الأخلاق التي تبث روح الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع ، كيف لا وقد جعل الإسلام كمال الإيمان بمحبة أفراد المجتمع مع بعضهم البعض ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، فالأنانية ليست من أخلاق الإسلام ، والمسلم لا يفكر في نفسه فقط ، وينسى أو يتناسى إخوانه المسلمين ، ولا يقابل الظلم بالظلم ، ولا الإساءة بالإساءة ، وإنما يقف مع المظلوم وينصره ضد الظالم ، ومع المسلم المسالم ضد الكافر المحارب ، ويقف مع الشعوب المظلومة ضد حكامها الظالمين ، ولا يرضى بالاعتداء على إخوانه المسلمين ، وأقل شي يقدمه لأخيه المسلم إن لم يستطع الدفاع عنه أن يدعو له ويستنكر هذه الإساءة ، لأن الراضي بالظلم في الإسلام كفاعله .ثورة الأخلاق ترتقي بالإنسان ، وتعلي شأنه وقدره ، و تنشر ثقافة المحبة بين أفراد المجتمع و الوطن و الأمة بكليتها ، وتنبذ ثقافة الكراهية والبغض ، وتقطع الإشاعات المغرضة التي هدفها زعزعة الثقة بين الناس وأعظم من ذلك بين الناس وعلمائها وقادتها ، و تدعو إلى تصفية القلوب من أوساخ الحقد والحسد والبغضاء في القلوب ، و تشجع على نسيان الماضي والنظر إلى المستقبل بعين الأمل والثقة في وعد الله عز وجل . هذا غيض من فيض من أخلاق الإسلام ، فما علينا إلا أن نقتدي بأخلاق زعيمنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ونتصف بصفاته و أخلاقه ، ونقرأ سيرته وحياته التي كانت تتحلى بالأخلاق الحسنة وتتزين بالآداب الجميلة .

بقلم : محمد سعيد باوزير

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص