كم هو مؤلم حقاً أن يفقد الإنسان عزيزاً عليه، ربطته به علاقات صداقة وأخوة وزمالة تمتد لسنوات طويلة خيالة لا يفارقه صباح مساء، وفجأة يجد هذا الإنسان العزيز عليه قد انتقل إلى العالم الآخر، إلى المصير المحتوم الذي ينتظره كل إنسان حي .. إنه الموت الذي لا يفرق بين كبير وصغير، وبين إنسان وآخر، وبين غني وفقير، وبين رئيس ومرؤوس، وبين حبيب ومحبوبه .. إنه قضاء الله وقدره على عباده ..
في الصباح الباكر من يوم الأحد تاريخ 19/جمادي الأولى/ 1434هـ، الموافق 31/ مارس / 2013م غيّب الموت عنا الأستاذ حسن سعيد باسبعين غفر الله له، هذا الإنسان الذي يتمتع بروح مرحة، وقلب طيب لا يحمل حقداً على أحد، لم أسمعه يوماً قد تكلم على أحد، أو اشتكى من أحد خلال علاقتي الطويلة به، المتواضع الجم، التربوي، الإنسان الذي تخرج على يديه في مادة اللغة الإنجليزية المئات من الطلاب .
عرفته منذ ما يقرب من أربعة عقود كان بالنسبة لي أخاً عزيزاً وصديقاً وزميل عمل بيني وبينه احترام كبير متبادل، جمعتنا معاً جلسات دائمة في سبعينيات القرن الماضي مع بعض الزملاء مثل الأخ / محمد عبدالله بن قاضي، وعبدالله مرعي، وعمر علي الجابري، حسين باحميد (الشريف) في حديقة سيئون، حينها كنت موظفاً في البنك الأهلي اليمني فرع سيئون، وعندما غادرت البلاد للدراسة إلى جمهورية بلغاريا الشعبية خلال الفترة من (1980 – 1985م) كنت حريصاً على التواصل معه – رحمة الله عليه – ولاسيما في الإجازات الصيفية التي آتي فيها إلى البلاد.. وقد توطدت علاقتي بهذا الإنسان بعد إكمال الدراسة حيث عينت مديراً لثانوية سيئون للبنين (الصبان حالياً) وظللنا معاً نلتقي بشكل دائم حتى أحيل المغفور له إلى المعاش، واستمر التواصل بيننا إما من خلال التلفون أو أحياناً آتي إليه لأجده جالساً أمام السوبر ماركت المقابل لمقهاية بن عبودان في حي القرن، حيث نتبادل الحديث معاً في الشأن الخاص أو في الشئون السياسية، وخاصة وأن المغفور له عضو في الحزب الاشتراكي اليمني.. وكم تحدثنا كثيراً عن أضرار التدخين وخطورته على صحة الإنسان، وفي أحيان كثيرة يصل المغفور له إلى قناعة ويتوقف عن التدخين، لكن فجأة تجده يعود إليه .. وقد أثر ذلك كثيراً على صحته خاصة مع تقدم السن، وعندما أقعده المرض في البيت كنت حريصاً دائماً أن أزوره أسبوعياً إلى جانب اتصالي الدائم معه كي أستفسر عن صحته، وفي كل زيارة أصطحب معي تلاميذ له وزملاء كانوا معه في مهنة التدريس الطويلة التي أحبها – غفر الله له – حتى نخفف عنه معاناة المرض الذي أثر كثيراً على صحته، كم كان المغفور له سعيداً جداً بهذه الزيارات، وعندما نُقل إلى المستشفى في العناية المركزة كنت آتي إلى المستشفى صباحاً ومساء لأسأل عن صحته، وزرته وهو في العناية المركز ثلاث مرات، ففي المرة الأولى وهو لازال بوعيه؛ سألته : هل عرفتني ؟ فأشار إليّ برأسه بنعم فقط ولم يتكلم.. وفي المرة الثانية زرته بصحبة ابنه مراد أيضاً كان ينظر إلينا بتركيز؛ مرة إليّ ومرة أخرى إلى ابنه دون أن يتكلم.. أما في المرة الأخيرة فكان رحمة الله عليه فاقداً للوعي ولم يحس بوجودنا على الإطلاق.. وكم كنت سعيداً وحزيناً في نفس الوقت عندما أخبرنا ابنه مراد بأنه قد نطق بالشهادتين قبل أن يدخل في غيبوبته، ومن كان آخر كلامه الشهادتين فقد دخل الجنة، وأرجو من المولى العزيز القدير أن يجعله من أهل الجنة .. آمين .. آمين .. وأن يجمعنا معه فيها بعد عمر طويل .. وحسن عمل .. وأن يلهم أهله الصبر والسلوان، و (إنا لله وإنا إليه راجعون) ..
بقلم الأستاذ / فرج طاحس