تتزايد يوما بعد يوم في نفوس أبناء المكونات السياسية قناعات كانت في بداياتها مجرد ثرثرات أخذت تكبر حتى أصبحت معتقدا راسخا يجتهدون في إثباته ولو بالخصام الحاد والقتال المستميت .. وهي مفاهيم لا يكاد مكون سياسي يخلو من مثلها .. وعليه وحده يقوم أمر تصحيحها .. ومنها :
1 ـ إصرار شباب الثورة على عدم وجود تقصير تقييمي وخطأ تقديري في مسيرة الثورة ويقابله إصرار آخرين على فشل الثورة جملة وتفصيلا .
والمفهومان يحتاجان تحليلا تكسوه الشفافية والوضوح ويتعرى من العناد والتجريح , فشباب الثورة عليه الإقرار بوجود خطأ في تقدير القيادة السياسية للوضع الميداني وعدم صحة تقييمها لبعض مراحل الثورة مما جعلها تفقد زمام المبادرة وتمنح الخصم أملا وقوة في العودة والاستماتة للبقاء ! كما أضاعت من بين يديها فرصة المباغتة وسرعة حسم المعركة شعبيا , وهو أمر استطاع الخصم الاستفادة منه بشكل احترافي لا مثيل له فحول الحدث من ثورة شبابية شعبية إلى خصومات شخصية تتمثل في امتيازات عسكرية ومنافسات عائلية ومكائد سياسية .
ومن جهة أخرى فإن مفهوم فشل الثورة بالكلية يحتاج تصحيحا فالثورة حققت للشعب قمة أحلامه وغاية آماله . فالمخلوع وعائلته وأعوانه لم يكونوا يوما يتصورون أن هناك قوة على هذه الأرض تستطيع أن تحد من طموحهم في حكم وراثي لما يتمتعون به من سطوة أمنية وقوة عسكرية ونفوذ سياسي وتحالف قبلي وكسب مادي في عدد من شرائح المجتمع , فجأت الثورة لتحقق المستحيل وتقطع أكثر من 50% نحو التغيير . ويلمس المعارضون كم زادت مساحة الحرية لهم بعد سقوطه فلماذا ينكرون هذا الفضل لثورة الشباب ؟ .
2 ـ مفهوم أن الانفصال ولا سواه هو الحل الأمثل لاستقرار الجنوب , وأن لا خير في الوحدة مطلقا ولا يمكن التعايش مع الشمال بأي حال .. ويقابله مفهوم مضاد مفاده أن الوحدة خير لا ضرار فيها ولا يمكن المساس بها . فعلى أصحاب المفهوم الأول أن يتراجعوا فهم لا يستطيعون إثبات أن الحال في ظل الانفصال سيكون مستقرا أمنا راقيا , بل إن القراءة الحقيقية الجلية للوضع تنبئ عن أخطار جمة وصعاب لا حصر لها وحياة غير مستقرة لا راحة فيها , وليعلموا أن الوحدة فيها خير كثير إذا تم جديا تصحيح مسارها وفقا لاتفاقياتها .
كما أن صعوبة التعايش مع الشمال قول فيه مبالغة شديدة فالعلة ليست في الوحدة ولا في الشعب وإنما في النظام الحاكم .. فالشمالي كالجنوبي يستطيع الانضباط حينما يجد أمامه نظاما قويا وقانونا رادعا ومؤسسات منضبطة وحكما عادلا حاسما .
وأصحاب المفهوم الثاني عليهم الاعتراف أن النظام المخلوع بعد 94م قد جلب للجنوب سلوكيات لم يكن يعرفها وقام بدعمها وتشجيع نشرها لتصبح جزءا من يومياته وعاداته كالثارات والتحكيم القبلي وعدم احترام النظام والقانون والفساد الإداري والوظيفي وقطع الطرقات والسطو على أراضي أهله وتهميش رجاله ومحو تجربة دولة متكاملة وأبقى لها السلام الوطني بشعر ولحن من تعز الحالمة , وعليه الإقرار أن الوحدة ليست فرضا إلزاميا وقد يكون الانفصال واردا في ظل استمرار عدم المواطنة المتساوية والظلم العلني والقهر الإنساني , ولكن ذلك يجب أن يكون الخيار البغيض بعد فشل كل أسباب التصحيح والحوار الجاد المثمر وبعد العجز التام عن تحقيق حياة عادلة كريمة للجميع .
3 ـ المفهوم السائد عند أفراد من الحراكيين أن رفع صور ( البيض ) ضرورة لابد منها لأنه صاحب توقيع الوحدة اليمنية ويستلزم وجوده ليوقع الانفصال , وهذا مفهوم غريب اقتنع به الناس ولكن الواقع أن من أقر الوحدة هو الحزب الاشتراكي اليمني ومن وقعها هو أعلى سلطة سياسية في اليمن الديمقراطي حينها وهو المكتب السياسي وناب عنهم في التوقيع " علي سالم البيض " .
ولو كان المفهوم صحيحا لكان يجب بقاء علي عبد الله صالح ليرسخ الوحدة أو يبطلها .. ومن هنا يتضح بطلان هذا المفهوم والذي بسببه يرفع كثيرون صور ( البيض ) مع قناعتهم بعدم صدق وطنيته ولا جدارته للحكم فتراهم يهتفون باسمه وفي باطنهم يلعنون غباءه السياسي وعناده الطفولي .
وهناك العديد من القناعات التي يعد الإصرار عليها خطرا لا تحمد عقباه .. ولو أن كل مكون سياسي صحح مفاهيمه ليلتقي مع الآخرين عند نقطة تسامح وصدق مسئولية لكان الوضع طيبا , ولكن ضاع جهد ثمين ووقت نفيس في محاربة طواحين الهواء لتتوقف رياح التغيير قليلا عن اقتلاع الفاسدين من أرضنا الطيبة .. وهذا هو حال وطن يهوى ساكنوه عدم التوافق ويستمتعون بالخلاف وعدم التقارب .!
بقلم : أبو الحسنين محسن معيض