غـيـث الـقـلــوب

مع زخات المطر التي أغدقت بقطراتها مدينتنا بل ووادينا الخصيب ينبغي ان نقف موقف تأمل وعبرة وتذكر، فالمطر به تهتز الأرض بعد يباسها وجفافها، وتحيا بعد موتها وتزدان بعد تشققها، فيا للمقارنه ويا للمشابه بينها وبين قلوب العباد التي سقت من معين ومطر الإخاء والألفة والمحبة بعد القطاع والشقاق والبعاد تلك هي القلوب الخصبة الندية المبللة بمطر وقطر الابتسامة والمصافحة والمحبة والسلام، فياله من غيث جميل يحيي القلوب ويحملها على الود ولوكانت كارهه حتى تطبع عليه، فتنال الحظ العظيم : (فإذا الذي بينك وبينه عدواة كأنه ولي حميم * وما يلقاها الا الذين صبروا وما يقاها إلا ذوحظ عظيم) وأي حظ عظيم يناله من خصبت ولانت قلوبهم لإخوانهم وخلق الله، فنالوا جزاء المحبة وتعانق القلوب القرب من الله يوم الميعاد روى الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابين بجلالي اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل الا ظلي) .

لا يرضى من اغيثت قلوبهم بغيث الايمان أن تجدب بالاستعداء على عباد الله والاضرار بهم والتهكم عليهم واستحلال دمائهم واموالهم، بل ويمنعه قلبه المحب الخصيب بغيث المحبة أن يحب لنفسه ما يحب لعباد الله، روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لايؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فإذا تغلغلت قطرات الطاعة وحب الله في القلوب اهتزت بالتزام السير على مراد الله، فلا يقتحم الخطوب ويقرر القرارات إلا من وفق مراد الله، قال الامام ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة 1/ 160 : (المحب الصادق إن نطق نطق لله وبالله، وإن سكت سكت لله، وإن تحرك فبأمر الله، وسكن فسكونه استعانه على مرضاة الله فحبه لله وبالله ومع الله) ولعل من ثمار غيث القلوب بقطرات وشذى القرب من الله الإطمئنان والأنس وراحة البال وطيب العيش في الدارين قال الإمام ابن قدامه : (علامة المحبة وكمال الأنس بمناجاة المحبوب وكمال التنعيم بالخلوة، ومتى غلب الحب والأنس صارت صارت الخلوة والمناجاة قرة عين تدغع جميع الهموم، بل يستغرق الحب والانس قلبه) تلك هي أسرار قطرات المطر رزقنا الله إياها لنتذكر ونشكر ونتقي، قال تعالى : (.. وأنزلنا من السماء ماء طهورا * لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيراً * ولقد صرفناه بينهم لذكروا فأبى أكثر الناس الا كفوراً) .

بقلم الشيخ / محمد سالم هبيص

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص