من سار على طريق الأنبياء - عليهم السلام - ودعوتهم لابد أن يصيبه ما أصابهم من ابتلاء وتمحيص وفتنه ، ليتبين حسن إيمانه وصدق يقينه ، قال تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) .
وقد تعرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الى أصناف الابتلاء ، فقد وصفه قومه بأبشع الأوصاف ، فقالوا عنه كذاب ، ومجنون ، وساحر ، بعد أن كان يلقب فيهم بالصادق الأمين ، وكان من أحسن الناس خلقا ، ومن أشرفهم منزلة ، ولم يكتفوا بذلك بل أخرجوه من مكة ، لا لشيئ وإنما للرسالة والدعوة التي كان يحملها .. فهاجر صلى الله عليه وسلم الى الطائف لعله يجد هناك بذرة للدعوة ، فقابلوه بالسب والشتم ، بل رموه بالحجارة حتى أدموا قدمه الشريفة .
وأخبر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يصبر على الابتلاء كما صبر أولي العزم من الرسل ، فقد نالهم من الابتلاء ما نالهم ، فقال له : ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ...) .
فهذا نوح عليه السلام قام يدعو قومه تسعمائة وخمسين عاما بالليل والنهار ، بالعلن والإسرار ، فقابلوه بالصد والإنكار ، والجحود والإصرار ، والعناد والاستكبار .. قال تعالى : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاّ فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ) ، رغم ذلك كله لم يؤمنوا معه إلا قليل .
وهذا إبراهيم عليه السلام لما حمل رسالة الدعوة الى قومه ، فما كان منهم إلاّ أن هددوه بالحرق نصرة لأصنامهم وآلهتهم وزعمائهم ، ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ) ، فنصره الله من هذا الابتلاء ؛ بعد أن التجأ إلى رب الأرض والسماء .
وهكذا أتباع الأنبياء والرسل من الصالحين قد يفترى عليهم بالأكاذيب والإشاعات ، وتضليل الرأي العام ، وقد يُقَوَّلون مالم يقولوا لا لشيئ وإنما للفكرة والرسالة التي حملوها ، وقد يتعرضون للابتلاء والتمحيص ليختبر الله صبرهم ويمكن لهم في أرضهم ، فقد جاء في الحديث: " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الناس على قدر دينهم ، فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه ، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه ".
والمسلم مهما أصابه من هم أو حزن أو مرض أو بلاء فهو تكفير له من خطاياه ومهما اشتد البلاء فهو إيذانا بالفرج القريب (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ).
وما يتعرض له إخواننا المسلمون في فلسطين وبورما وسوريا وفي كل مكان من أذى وتعذيب وإهانة وحصار لايهزم الرسالة التي آمنوا بها ، فالأذى لايهزم دعوة ، وكم من دعوة حُورِبتْ وظلت صامدةً عبر الأزمان والسنين بالفكر الذي ينتشر عبر الأجيال جيلا بعد جيل ، وفي الأخير تنتصر الرسالة وإن فني الأشخاص .
يا أخ الإسلام في الأرض المديدة
ما حياة المرء من غير عقيدة
وجهاد وصراعات عنيدة
فهي طوبى واختبارات مجيدة
فانطلق وأمضي بإيمان وثيق
وإذا ما مسك الضر صديقي
فلأن قد مشينا في الطريق
بقلم : محمد سعيد باوزير