أبناؤنا فلذات أكبادنا وهم نبتة أيدينا وجب علينا أن نعرف كيف نربي هذه النبتة؟! وكيف نسقيها بماء الحب والمودة؟ وكيف نحيطها بسياج من التربية والقيم والمبادئ إن من أوجب الواجبات ، وأعظم المسؤوليات ، وأكبر الأمانات ؛ أمانة تربية المسلم لأهل بيته مبتدئا بنفسه ، ومثنيا بمن يعول ، وهذا من معنى قول الله:{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } [التحريم: 6]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) فالتربية ليست أمرا عارضا أو قضية هامشية أو فكرة عابرة ، أو خاطرة سائرة ؛ بل هي ضرورة ملحة ، ومسألة لازمة ، وقضية تضرب بجذورها في الماضي الفائت ، لتعبر الحاضر السائر ، وتمتد إلى المستقبل الآتي.
وإننا إذا أردنا أن نتحدث عن التربية وعن دور المسجد والمدرسة والأسرة في هذا الشأن لوجدنا أن هناك علاقة تكاملية وإن هناك دورا تربويا حتما سيكون فعالا إذا تم التعاون والتكامل بين هذه الدعائم الثلاث ولم يظهر أي تناقض ، فلو بدأنا بالمسجد ودوره في تربية النشئ لوجدنا أنه البيئة المناسبة ليتربى الأولاد التربية الصحيحة وينشؤا النشأة الصّالحة فالأسرة الصالحة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع وإذا كانت كذلك فلابد من تكوينها التكوين السليم السديد فأول خطوة خطاها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد نزوله المدينة إقامة المسجد في رسالة واضحة إلى أهمية المسجد والدور الذي يجب أن يقوم به خاصة في الإعداد والتربية .
فالمسجد من أقوى الأركان والدعائم في بناء المجتمع المسلم ، وهو موطن التربية الإيمانية والروحية والخلقيّة والعلمية للطفل في مراحل تربيته ونشأته ، ومن هنا توجب على الوليِّ أن يعمل على ربط أولاده ببيوت الله_عزّ وجلّ_ ليتربّوا في رحابها ، فتُهذّبَ أرواحهم وتثقّف عقولهم وتزوكُوَا نفوسهم ، وللأسف فإن كثيراً من مساجدنا اليوم فقدت دورها ومكانتها في تربية الأجيال ، حيث أدى ذلك إلى انصراف الكثير من النّاشئة عنها إلى أماكن اللّهو والفساد.
وأما المدرسة فلها اليوم دور أكبر من دور المسجد ، وتعد المؤسسة التربوية الثانية بعد الأسرة ، لأنها تحتوي الطفل مدةً أطول ، وتتيح له فرصة الحصول على أقران. . فما أن يصل الطفل إلى سن الخامسة من عمره ، حتى يبدأ بالتطلع إلى ما وراء البيت؛ ويتجه إلى المدرسة ليتعرف على أناس كثيرين ، وموجهين من غير الأبوين، ولذلك كلما كان المدرس أباً ومعلماً ورفيقاً كلما تعلقت روح الطفل بالمدرسة فالمدرسة هي البيئة الصناعية التي أوجدها التطور الاجتماعي لكي تكمل الدور الذي مارسته الأسرة ومارسه المسجد في تربية وإعداد الأبناء فهي لذلك تعتبر الحلقة الوسطى والمهمة التي يمر بها الأطفال خلال مراحل نموهم ونضوجهم.
ولكي تؤدي المدرسة مهامها التربوية على وجه صحيح ، كان لابد من ربطها بالمجتمع بحيث تصبح جزءً لا يتجزأ منه، لا تختلف عنه في شيء سوى كونها مجتمع مصغر و مهذب خالي من الشوائب التي قد نجدها في المجتمع الكبير وتكمن أهمية المدرسة في ثلاثة جوانب:
أولا: في البناء الاجتماعي إذ يتساوى الطلاب في المدرسة ولا يتميز أحد منهم إلاّ بالتفوق العلمي أو الأخلاقي أو كليهما .
ثانيا: في البناء الأخلاقي : فتقوم المدرسة بدور فعال في بناء الأخلاق .
ثالثا: في الإعداد الوظيفي إذ: ليس المقصود بالإعداد الوظيفي تأهيل الطفل لممارسة مهنة تنفعه وتنفع أمته، بل يتسع المفهوم ليشمل تأهيل المرأة لتكون زوجة وأمّاً قبل كل شيء ، وتأهيل الذكر ليكون عضواً صالحاً في المجتمع وأباً مسئولاً وصاحب مهنة شريفة.
فالمدرسة إذن تمثل الحصن الحقيقي الذي يحوط النشء صغيراً إلى أن يكبر، وكذلك هو المسجد ويستمران به إلى أن يموت بما بذرا فيه من أيام الصغر، فمن جنبات المسجد وأركان المدرسة ينشأ الجيل المنشود الذي يحمل المواصفات العليا من العلم والدين.
وأما الحديث عن دور الأسرة في التربية فلا أحد ينكر دورها القوي في بناء شخصية التلميذ وتهذيب أخلاقه بل إنها المحضن الأول والمؤثر القوي على معتقداته وأفكاره التي تجول بخاطره صحيح أن المدرس له دخل قوي وتأثير بليغ على شخصية الطفل.. ولكن ذلك مشروط بأن تكون الأسرة مساعدة للمدرس في بنائه الذي ينشده وهدفه الذي يرمي إليه.فالأب الذي يسأل ابنه عن حصاده العلمي وزاده التربوي هو الأب الحق الذي يمكن أن ننعته بالأب المساعد والمنخرط في العملية التربوية.
إن تدين التلميذ واستقامته أو انحرافه مرده إلى التربية التي يتلقاها في أسرته ويراها سارية في بيته وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من مولود إلاّ يولد على الفطرة فأبواه يهودان وينصرانه ويمجسانه…) رواه البخاري ومسلم وفي الآخر ( ما نحل والد ولدا نحلة أفضل من أدب حسن ) .
بقلم : د. عبدالله أحمد علي بن عثمان
مدرس بجامعة حضرموت للعلوم والتكنلوجيا