هاهي نفحات ونسائم النور والهدى والفرقان هبت على القلوب والنفوس لتغسل الأدران والأفئدة ولتزيد الحسنات والأرصدة عند رب العزة، فمن رحمة الله تعالى على العباد أن جعل محطات للتزود بطاعة الله، وكان رمضان ميداناً عظيماً للتسابق وللتعرض لنفحات الله تعالى، ألا فلننظم أوقاتنا ولنرتب مواعيدنا ولنستغل كل لحظة لنغرف من حياض ليالي وأيام رمضان المقبلة قبل التحسر والندم على فواتها.
فهذا حال أسلافنا مع القرآن في رمضان، فكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يختم القرآن في رمضان في ثلاث أيام وكان الإمام الشافعي يختم القرآن ستين ختمة في صلاة رمضان، وأما الإمام ثابت كان يختم القرآن في كل يوم وليلة.
ألا فلنستفرغ جهودنا في حفظ أوقاتنا كلها بما فيها أيام النفحات والخيرات في رمضان فإنها أيام معدودة تنتهي وتنقضي سريعاً، كما قال الحسن البصري : (يا ابن آدم إنما أنت أيام إذا ذهب يومك ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل) فرمضان فيه تيسر أمر العبادة بتصفيد الشياطين وفتح الجنان وغلق أبواب النيران، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) .
فقد كان سلفنا يعدون حضور وإدراك رمضان من أكبر النعم، فكانوا يتهيئون لذلك بالدعاء والابتهال أن يبلغهم الله الشهر، ويروى عن يحيى بن أبي كثير : (كان من دعائهم اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلا)، ولك أن تتأمل حالهم في قيامهم وخشوعهم ما بين باك غلب بعبرته وقائم غُص بزفرته وساجد يتباكى بدعوته فهذا حالهم وليكن حالنا كحالهم قال تعالى : (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) .
بقلم الشيخ / محمد سالم هبيص