رمضان يجمع صفوف المسلمين ، ويمتص من قلوبهم الحقد ، ويصفي من نفوسهم الحسد ، وينقيها من الكراهية و الأدران ، ويصفيها من البغضاء والأدغان ، ويزرع فيها المحبة والإحسان ، ويغرس فيها الألفة والإيمان .
المسلم يسعى لجمع الكلمة ، ويتعوذ بالله أن يكون سبباً في تشتت المسلمين وتفرق كلمتهم ، وتناثر اشلائهم ، ويدعو الله أن يكون سبباً في وحدة الأمة الإسلامية وقوتها ، ويتخلى عن العصبية الذميمة ، ويتحلى بالأخوة الحميمة ، وينتقل من الفرقة والاختلاف إلى الوحدة والائتلاف ، ومن فكر الفتاوى الفردية الى فقه المجامع الفقهية ، نريد أن ننقل الأمة من هموم أمة تزحف على بطنها وفرجها إلى هموم أمة تسعى لبذل الخير ونفع الغير .
وما تشهده بلادنا اليوم وغيرها من البلدان العربية من تفرّق وانقسام ، وصراع سياسي وانفلات أخلاقي ، ودخول عادات دخيلة على بعض مجتمعاتنا المسالمة كمحافظة حضرموت التي اشتهر أبناؤها بفطنتهم وذكائهم وحرصهم وسلميتهم وأخلاقهم ، وأصبح الحضرمي يتعايش مع غيره بكل محبة واحترام ، فاختلاف الرأي لم يكن يوماً من الأيام سبباً في تفريق كلمتهم أو سوء أخلاق بعض شبابهم ، وإنما كان يسودهم الإخاء والقبول بالأخر مهما اختلف معهم في وجهات النظر .
فرمضان فرصة تجمعنا على الصيام والقرآن ، والقيام والإحسان ، لكي نواجه التحديات التي تمر بها الأمة ، ولكي نظهر عظمة الاسلام اذ دعا إلى الاجتماع ، وتتجسد مشاهد الاجتماع في الصلاة اذ يجتمع الكبير مع الصغير والفقير مع الغني ، والقوي مع الضعيف .. وهكذا ، وكذلك في الاجتماع للحج من كل فجٍ عميق ، فيرتسم اجتماع الأمة الإسلامية ووحدتها في أعظم صورة ، وأصواتهم التي تعلو بالتلبية لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، وكذلك في اجتماع المسلمين في الامساك عند طلوع الفجر الصادق ، والإفطار
عند غروب الشمس .
رمضان يجمعنا لكي تتآلف القلوب ، وتتقارب الدروب ، وتتحقق الألفة الإسلامية ، ونقضي على العصبية القبلية والحزبية ، ونوطد أواصر الأخوة الإيمانية ، ونقضي على مؤامرات أعداء الاسلام الذين يريدون تفريق المسلمين فرقاً وأحزاباً متصارعة ، ليشغلوهم بأنفسهم ليخلو لهم الجو للسيطرة على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والأراضي العربية .
الإسلام هو الذي يجمعنا على الإيمان ، والعمل هو الذي يُقدِّس ويرفع المسلم ، لا الأماكن أو القبائل أو الأحزاب أو الأشخاص ، كما قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء - رضي الله عنهما : "إن الأرض لا تقدس أحدًا ، وإنما يُقدس الإنسان عمله".
ويتجسد الاجتماع في أجمل صورة في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : ((مثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثَل الجسدِ الواحد ، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسّهر والحمَّى)) رواه
البخاري ومسلم , وفي الحديث الآخر: ((المؤمنِ للمؤمن كالبنيان يشُدّ بعضُه بعضاً)) رواه البخاري ومسلم .
رمضان يُعلِمُنا اجتماع الكلمة التي فرضتها وأوجبتها علينا الشريعة الاسلامية لكي نطرد الشيطان ، ونخيف الأعداء ونلقي الرعب في قلوبهم ليكون المسلمون كالجبال الرواسي أمام رياح الفتن والشدائد ، ولنحافظ على مصالحِ الدنيا التي هي قِوام الحياة ، ونعيش في أمن وأمان وإسلام .
بقلم : محمد سعيد باوزير