يُحكى أن رجلاً عاش في كل أوقاته متفائلاً بالخير راضياً بما أصابه من مكروه ، بحيث إن أصابه أمر يكرهه يقول : ( الحمد الله .. لعله خير ) ، وذات مرة مات حماره الوحيد الذي كان يملكه ويحمل عليه متاعه ويركبه إن أراد الذهاب لجلب حاجته وحاجة أسرته ، حيث كان يعيش في طرف بعيد في أرض قفراء عليها بيوت متفرقة ، قد تباعدت فيما بينها بمسافات تفصلها عن بعضها البعض ، فقال له القوم لقد مات حمارك ، فأجابهم بقوله : ( الحمد الله .. لعله خير ) ، فقالوا أي خير وقد مات حمارك الوحيد الذي تنتفع به ، مات مركوبك فلم يعد لك ما تركبه ، فلم يزِد أن أجابهم بمثل المرة الأولى .
وصحا ذات يوم ليجد ديكه الوحيد الذي يوقظه لأداء الصلاة والصحو في الفجر قد مات ، فحمد الله وقال : ( لعله خير ) ، فتعجب أهله من قوله وقالوا له يموت حمارك وديكك ثم تقول لعله خير، فو الله لا نرى في ذلك خيراً .
وتأتي الثالثة ليفاجأ الرجل المؤمن بموت كلبه ، وحارسه الأمين الذي يحميه ويحمي بيته من اللصوص والغرباء والهوام في الصحراء وليكون جاثماً أمام البيت في كل حين ، لم يجد صاحبنا بداً من أن يحمد الله ويصرح ( لعله خير ) ، فتعجب أهله أشد من تعجبهم في المرة الأولى والثانية ، لكنه أصرّ على عقيدته تلك مسلماً الأمر لله تعالى وأن الأمر خير.
ظلّ الرجل من دون مركوب وانقطع نهيق الحمار، وتلاشى صياح الديك واختفى نباح الكلب وأصبح بيتهم لا يُستدل باستمرار الحياة عليه كبقية البيوت التي حوله خاصة في ظلام الليل ، واستمر الحال على ذلك إلى أن جاءت عصابة كبيرة من قطّاع الطرق وأخذت تتربص بالبيوت الرابضة على ذلك المكان وتترصد لها وتتحين وقت الانقضاض عليها ، فما أن يسمعوا في الظلام الدامس بيتاً يعجّ بالحياة بصدور الأصوات كالنهيق أو الصياح أو النباح إلاّ وانقضوا على ذلك البيت واحتملوا ما فيه من متاع ومال وأنعام وكل ما خفّ حمله وغلا ثمنه ، وإن قاوم أهل ذلك البيت وانتفضوا لاقتحام خصوصيتهم وعرضهم قتلوهم بدم بارد لقسوة قلوبهم وتمرسهم في القتل والإجرام ، وهكذا دارت العصابة على البيوت المحيطة ببيت صاحبنا ونهبوها بيتاً بيتاً وتركوها بلقعاً جرداء لا حياة بها ، ولما كان بيت الرجل في الظلام لا تصدر عنه أية أصوات لموت حيواناته الثلاثة فقد نجا من هجمة قطّاع الطرق ونجا أهله وماله وعرضه ، فحمد الله تعالى على حُسن العاقبة وعلم أن ما حدث له من قبل لم يكن إلاّ خيراً قد قدره الله له وإن تراءى له ولغيره أنه مكروه أو ضر أصابه .
يقول الشاعر : فكــــم لله من تدبيــر أمـر *** طوته عن المشاهدة الغيوبُ
وكم في الغيب من تيسير عسر *** ومن تفريج نائبة تنوبُ
تلك قصة عجيبة ومثيرة عن أهمية التفاؤل الذي تعقبه العاقبة الحسنة والموئل الحسن ، وإن اختزلنا أحداثها على هذه الحياة وأسقطناها عليها لوجدنا الأمر يحدث بنفس المنوال ولكن بشكل آخر وأحداث أُخَر وبصورة مختلفة، لكن النهاية هي هي ، والعاقبة هي هي ، فما علينا إلاّ أن نجعل التفاؤل خلقاً يصحبنا في هذه الحياة ، يرافقنا بكل تحنان وعطف ليخفف عنا ما نجده من قسوة الدهر وصروف الأيام ، فهيا لنتفاءل جميعاً ولنثق أن العاقبة حتماً ستكون حسنة والمستقبل سيصبح أفضل .
بقلم : أحمد عمر باحمادي