الخليفة بحسب اللغة : من خلف من كان قبله وقام مقامه .. فلماذا سمي آدم خليفة ؟ توجد هنا عدة آراء:
الأول : أن آدم سمي خليفة لأنه خلف مخلوقات اللّه سبحانه في الأرض وهذه المخلوقات إما أن تكون ملائكة أو يكونوا الجن الذين أفسدوا في الأرض وسفكوا فيها الدماء كما روي عن ابن عباس.. أو يكونوا آدميين آخرين قبل آدم.
الثاني : انه سمي خليفة لأنه وأبناءه يخلف بعضهم بعضاً فهم مخلوقات تتناسل ويخلف بعضها البعض الآخر. وقد نسب هذا الرأي إلى الحسن البصري.
الثالث : انه سمي خليفة لأنه يخلف اللّه سبحانه في الأرض.. وفي تفسير هذه الخلافة لله سبحانه وارتباطها بالمعنى اللغوي تعددت الآراء واختلفت :
أ - انه يخلف الله في الحكم والفصل بين الخلق.
ب - يخلف اللّه سبحانه في عمارة الأرض واستثمارها من إنبات الزرع وإخراج الثمار وشق الأنهار وغير ذلك.
ج - يخلف الله سبحانه في العلم بالأسماء .
د - يخلف اللّه سبحانه في الأرض بما وهبه الله من قوة غير محدودة سواء في قابليتها أو شهواتها أو علومها.
استخلفنا الله في هذه الأرض لإقامة أحكامِه ، وتنفيذ أوامرِه ، وتحكيم شريعتِه ، وتوحيده وطاعتِه: (الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصَّلاةَ وَاتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ) [الحج: 41].
و الإنسان خلق لحكمتين ، إحداهما مختصة به وهي هذا الاستخلاف ، لهذا الجنس البشري وحده ، لا يشاركه فيه شيء من الخلائق ، والحكمة الثانية مشتركة بين الإنسان والجن وهي تحقيق العبادة لله .
إنَّ الاستخلاف في الأرضِ ، والعيش في أرجائها ، والمشيِ في مناكبها ، فتنةٌ وابتلاء ، وليس أعظم من فتنة النّعماء وامتحان السراء ؛ يقول رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم-: "إنّ الدنيا حلوةٌ خضِرة ، وإنّ الله مستخلفُكم فيها ، فينظرَ كيف تعملون ، فاتّقوا الدنيا واتّقوا النساء ، فإنَّ أوَّل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء". أخرجه مسلم. يقول الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: "معنى "مستخلفكم فيها" أي: جاعلُكم خلفاءَ ، فينظر هل تعملون بطاعته أم بمعصيتِه وشهواتِكم".
وقد شرَّف اللهُ الإنسانَ إذ أقامه خليفة عنه ليقيم مجتمع العدالة بل مجتمع الرحمة ، مجتمع التآلف والود فوق هذه الأرض ، و خلافة الإنسان في الأرض تستوجب الإصلاح لا الإفساد ، وما نشاهده في الشام ومصر الكنانة إفسادا محضا ، قتل فيه من قتل ، وسجن من سجن ، وأصيب بالإعاقة الدائمة كثيرون فليس لهؤلاء الحكام مكانا بين الناس في الاستخلاف الذي شرف بة الإنسان .
و غضب الله عز وجل على فرعون و قضى بإهلاكه وقومه عندما افسد في فترة استخلافه ، يقول الله عز وجل:
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص : 4].
و الاستخلاف هو تشريف لهذا الجنس البشري وتكريم له ، فلا بد من تحقيق الاستخلاف في كل الأمور ، وينبغي أن نكون حلقة إيجابية تزيد ما كان موجودا من الخير ولا تنقصه ، ولا تترك ميراثا صعبا للأجيال اللاحقة ، ولذلك فإن كثيرا من حكام زماننا يتصرف على أنه آخر من يشغل هذه الوظيفة فيفسد فيها على ما يريد ويتصرف فيها تصرفا في غاية السوء.
بقلم المهندس : عبدالحافظ خباه