الوحدة خيارنا

كعادته في المراوغة والمخاتلة السياسية, هاهو علي صالح يعاود التهريج مجدداً ويحنّ للرقص فوق رؤوس الثعابين التي لم يبرأ بعد من لدغاتها, محاولاً استغفال اليمنيين والتلاعب بعواطفهم واستثارة مشاعرهم للتكسب السياسي, من خلال العزف على نغمة الوحدة وادعاء غيرته عليها, فيما الحقيقة أنه كان أول من أساء إليها وشوّه صورتها بمسلكه السياسي المشين وفعاله الانفصالية التي كرست التشطير واقعاً على الأرض, وكرّهت إخوتنا في المحافظات الجنوبية بالوحدة بعدما كانوا من أشد المتحمسين لها.

تلك هي الحقيقة الساطعة التي يحاول صالح طمسها بإظهار غيرته الزائفة على الوحدة, فيما لم تمثّل له الوحدة أكثر من أداة قهر للاستحواذ على السلطة والثروة وإقصاء الشركاء وابتزازهم. والحقيقة التي يدركها الجميع بما فيهم صالح نفسه الذي يذرف دموع التماسيح ليس حباً في الوحدة بالطبع ولكن بغضاً في ثورة الشعب التي عرّت جرائمه بحق الوحدة واليمنيين عامة, هي أن الرجل عاد ليلعب على شعار الوحدة, كما فعل في السابق (الوحدة أو الموت) ويتخذ منه سلماً لتحقيق مآربه في إفساد الحوار الوطني وإرباك المشهد السياسي وخلط الأوراق بغية الإبقاء عليه مدة أطول في المعادلة السياسية اليمنية بعدما لفظه الشعب وقلعته المبادرة.

المثير للسخرية, أن هذا الرجل الذي يُبدي حماسة مصطنعة للوحدة التي فرط بها وزرع الألغام في طريقها, هو ذاته من قدم رؤية مغايرة, عبر فريقه في مؤتمر الحوار الوطني, لشكل الدولة ملخصها التأكيد على دولة فيدرالية اتحادية تتكون من إقليم مدينة عدن الاقتصادي وعــدد من الأقاليم تديرها حكومات محلية, وتتكون الأقاليم من عدد من المحافظات والمديريات. وأكدت الرؤية على ضرورة اتخاذ الخطوات التشريعية والتنفيذية والمؤسسية لتطبيق نظام الأقاليم خلال فترة مدتها من (3-5) سنوات من تاريخ الاستفتاء على الدستور الجديد.

تلك كانت رؤية صالح وحزبه بشأن القضية الجنوبية وإعادة بناء الدولة اليمنية التي رأى فيها أهمية تطبيق الفيدرالية كمخرج آمن للخروج بالبلد من الوضع المتأزم الذي أوصلنا إليه وحزبه, ثم هو يتباكى الآن على الوحدة التي لو كان أحسن المحافظة عليها بإنصاف اليمنيين, وإخوتنا في الجنوب على وجه الخصوص, لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. ومع ذلك فقد سارع الشرفاء من أبناء اليمن لترميم الخراب الذي خلّفه صالح, بما في ذلك إعادة تأهيل الوحدة ذاتها, والحيلولة دون سقوطها, كخيار استراتيجي لكل اليمنيين مهما كان شكل الدولة. والإصلاح الذي وقف إلى جانب الوحدة منذ اليوم الأول سيبقى محافظاً عليها ومتمسكاً بها, ولكن وحدة يرضى عنها وبها جميع أبناء الشعب. وسكوتنا في الإصلاح عن بعض القضايا ينبع من حرصنا الشديد على المصلحة الوطنية وتعميق روح التوافق, وإلاّ فنحن أيضاً متمسكون برؤانا كبقية القوى الأخرى.

في المقابل, فإن الوحدة التي يزايد بها علي صالح كان هو أول من هوى عليها بمعوله, وأول من داس عليها إرضاء لنزواته وغروره وتعطشه للسلطة والسيطرة والاستفراد بكل شيء, وكان أول من سدد لها طعناته من الخلف وتركها تنزف بين الحياة والموت, وكان أول من باعها في صفقات فساد عفنة لا تزال تأن تحت وطأتها إلى اليوم. لقد دمّر صالح الوحدة حين رفض الإصغاء لتقرير هلال- باصره الذي كشف أن 80% من أراضي عدن المنهوبة هي بيد 15 متنفذا فقط من حاشيته ومقربيه, وحين طُلب منه أن يختار بين تلك العصابة وبين عودة الجنوب إلى حضن الوحدة قرر الانحياز لعصابته والتخلي طواعية عن الوحدة.

الواقع أن علي صالح انقلب على الوحدة منذ وقت مبكر حين نكث بعهوده وبالاتفاقات الموقعة مع شركائه وخان أيمانه المغلظة, وطوّح بها حينما استباح الجنوب بكل ما فيه وجعله غنيمة له ولحاشيته ومقربيه, فنهبوا أراضيه وتقاسموها وباعوا واشتروا فيها, فيما أبناء الوطن لا يجدون ما يسدون به رمقهم. ومضى في تدمير الوحدة عن سبق إصرار وترصد حين ألقى بعشرات الآلاف من أبناء الجنوب خارج وظائفهم المدنية والعسكرية انتقاماً من خصومه وإمعاناً في إذلالهم وتكريساً لحكم عصابة العائلة. ولم يكتفِ بذلك, بل ذهب يتآمر على ثروات الجنوب ويبيعها بثمن بخس مقابل عمولات خاصة ضمن سياسة التدمير الشامل التي أتبعها على امتداد فترة حكمه.

إن الذي فرط بالوحدة وهو في موقع القرار, عبر أساليب تدميرية ممنهجة اتبعت سياسة الإقصاء والتهميش وتوسيع شبكات المحسوبية والفساد وتكريس مصالح القوى المتنفذة المرتبطة بالمركز, وتعميق الخلافات وتغذية الصراعات, وإشاعة الفوضى وإشعال الحرائق وبؤر التوتر شمالاً وجنوباً, ونسج التحالفات مع أطراف مشبوهة تعمل ضد مصلحة الوطن, هو آخر من يحق له التحدث بلسان الوحدة الوطنية ومصالح الوطن, فللوطن رجاله وللوحدة رجالها, وهي لا تقبل المزايدين في صفوفها.

........

(افتتاحية الإصلاح نت)

رابط الافتتاحية في الإصلاح نت

http://al-islah.net/new/view.aspx?id=3198

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص