مـن عــجائب الحـــج

رحلة الحج ومكان الحج وزمانه تذكر الأمة بالهداية ، وبالتاريخ والمآثر والحضارة ، فتنهمر دموع المؤمنين ، كما تنهمر دموع المقصرين ، بل والجاحدين والمعاندين والمستغربين من هذه الأمة المتأثرين بالفكر الغربي ، بل والداعين إلى الانسلاخ عن الماضي ، فالكل يهز كيانه الحج ومكان الحج وزمان الحج على مجدٍ بأيدينا أضعناه .

• فريضة الحج مبينة على المشقة :

فلا بد للمسلم العازم على أداء فريضة الحج ابتداءً من الاستعداد قلباً وبداً ومالا ، لهذه الحقيقية : فالحج تكليف يشتمل مشقات متعددة وضيق وحرج ، فالصعود إلى عرفات مشقة ، والنزول منها مشقة ، والاختيار بين النزول مشياً من عرفات إلى مزدلفة أو النزول راكباً كلها مشقات ، ومن وصل مزدلفة ماشيا وجد أم المشاق حيث من سبقه قد افترشوا الطرقات فلا طريق يستطيع أن يمر منه إلاّ إن قرر العبور على ظهور النائمين وهو فعل يتنافى مع أخلاقيات الحجاج ، وإن ركب وسيلة المواصلات احتاج أحياناً إلى أكثر من عشر ساعات ركوب بلا نزول ولا يوجد في الحافلات حمامات لقضاء الحاجة فهي أم المشاق .. إنه جهد جسماني يقصد به التقرب إلى الله تعالى مع أنه بالغ المشقة في الترحال والانتقال من مكان إلى آخر لا خيار للحاج ولا حرية فهو يقيم وينزل ثم يرحل وينتقل .. 

  الحج عباده لا بد فيها من مشقة على قدرها يكون الأجر ، فهو : صلاة وصيام وزكاة ، وتلبية وتكبير ، وطاعة مطلقة ، وامتثال مطلق ، ومن فضل الله تعالى أن من استطاع أن يكون حجه مبرور ، فلا جزاء له إلاّ الجنة ، وحسبه أن : يخرج من ذنوبه كيوم خلقته أمه على الأقل .     

 يقول البُرعي غفر الله له :

يا رحــــلين إلى مـنى بقــيادي    هيـجتمُ يوم الرحـيل فــؤادي

سرتم وسار دليلكم يا وحشتي    الشوقُ أقلقني وصوتُ الحادي

حـــرمتمُ جـفني المنام ببعدكم    يا ســــاكنين المنحنى والـوادي

ويلوح لي ما بين زمزم والصفا    عـند المقامِ سمعتُ صوت منادي

ويقول لي : يا نائماً جدَّ السرى   عــرفاتُ تجلو كل قلب صـــادي

من نال من عرفات نظرتَ ساعة   نال الســرور ونال كل مــرادِ

تالله مــا أحــلى المبيت على منى  في الليل عــيد أبرك  الأعـــياد

*حصالة الحاج تجربة ماليزية ناجحة

كان الماليزي الذي يريد  أداء فريضة الحج في النصف الأول من القرن العشرين  يبيع ما فوقه وما تحته : بيته وأرضه ومزرعته وماشيته ، إذ تكلفة الحاج الماليزي حوالي 2300 دولار  ثم يعود من رحلته صفر اليدين  فلا أرض ولا بيت ولا مزرعة ولا ماشية ، ولا شيء بذات اليد فقيراً معدماً يفترش الأرض ويلتحف السماء . هذا هو حال الغالبية الساحقة من الشعب الماليزي المسلم حتى العام 1959م ! ففي هذا العام عرضت على رئيس مجلس وزراء ماليزيا (تنكو  عبد الرحمن) مؤسس ماليزيا فكرة المؤسسة وخطة مشروعها فوافق عليها ، وعرضها على البرلمان فوافق عليها .

 وفي العام 1962م أسس الأستاذ الاقتصادي المتخصص (تنكو عبد العزيز تنكو ) مؤسسة يونغ حاجي (صندوق حصالة الحج) وبدأ العمل في هذه المؤسسة المختصة بإدارة ادخار الماليزيين  في 30 سبتمبر عام 1963م بهدف تمكين الراغب بطريقة تدريجية من توفير نفقات حجه ، وأصبحت من حينها رافداً لنمو الاقتصاد الماليزي استثماراً وتجارة .

   تقوم فكرة المؤسسة على ادخار الماليزي الراغب مبلغاً شهرياً لأداء فريضة الحج عند المؤسسة ، يتم استثماره وفق الضوابط الشرعية بدلاً من بيع ممتلكاته ، فإذا بلغ ادخار الشخص ما يؤهله لأداء فريضة الحج يتم الإعلان عن ذلك في رمضان من كل عام ليتقدم المؤهلين ويستكملوا باقي الإجراءات ومنها حضور دورة تطبيقية على المناسك .

يقوم هذا الصندوق بثلاث  عمليات :

1) الإيداع وتجميع مدخرات المشتركين : بفتح حساب ادخار خاص بهم  .

2) الاستثمار وتوظيف أموال الصندوق في مشاريع تجارية مباحة شرعاً ، أو شركات الإنشاء والعقار ، أو خدمات السفر والسياحة ، أو الزراعة والنقل والمواصلات  .. فمولت المؤسسة مشروعات التنمية والبرامج الاجتماعية من خلال مدخرات محلية دون الحاجة للمصادر الخارجية والعون الأجنبي .

3) خدمة الحجاج الماليزيين فترة الحج (السكن ، والمواصلات ، والمعيشة ، والرعاية الصحية) إذ ينقل المشروع حوالي 25 ألف حاج ماليزي سنويا ، ويلبي احتجاجاتهم .

 فصارت مؤسسة  يونغ حاجي (صندوق حصالة الحج) أكبر وأشهر وأنجح مؤسسة اقتصادية في ماليزيا ، يبلغ المشتركين فيه أكثر من 4.5 مليون مشترك ، وحجم إيداع حوالي من 2 ـ 6 مليار دولار ، وتقدر أوله حسب بيانات أغسطس 2003م 2 ـ 8 مليار دولار ، فيصل متوسط ادخار المؤسسة الإجمالي القومي إلى 37.4 % من الناتج القومي حسب تقديرات عام 2002م     

 *  الأستاذ البنا غفر الله له في موسم الحج آخر أيامه : يذكر العالم التركي (علي علوي كور وجو ) [في مذكراته مع الإمام حسن البنا ] غفر الله لهما أنه سافر معه إلى الحج  على متن السفينة زمزم عام 1948م (استشهد البنا رحمه الله بعدها بأربعة أشهر في فبراير 1949م) وكان من بين الحجاج  المصريين يومها مصطفى النحاس باشا وفؤاد سراج وآخرين  .. وكان البناء غفر الله له يؤم القوم في الصلوات الخمس ويلقي بعد كل صلاة خاطرة إيمانية .

فلما وصلوا المدينة زاروا المدرسة الثانوية وكان مديرها أحمد بو شناق فطلب من البنا غفر الله له أن يلقي كلمة للطلاب ، فتكلم قائلاً : منذ كان عمري ثماني وعشر سنوات  وأنا أحب الخطابة ، وهي ليست صعبة علي ، لكن يقولون : إن لسان الإنسان يقف أحياناً ، وأنا منذ جئت المدينة ولساني توقف ، لأن هواء المدينة المنورة تسكنه خطب النبي صلى الله عليه وسلم .

 وفي مسجد قباء بكى البنا غفر الله له بحرقة وهو ساجد وبعدها قال : إخوتي وأحبتي ، كم تتخيلون أهمية المسجد ؟! فقبل أن يرتاح هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم بعد مئات الكيلومترات التي قطعها على ناقته ، وهو قد خرج فوق هذا متخفياً من الأعداء ، فكان أول شيء فعله بناء المسجد ، يعني الجامع ، العبادة ، الجماعة ، الانصهار في إخوة الإسلام ، التوحد ، التعارف ، الجسد الواحد . 

 * حتى العصاة والمنحرفين فكرياً وعقائديا   : كان الحج إلى البقاع المقدسة في مكة والحرم يصقل طباعهم ، ولأن مكة إنما سميت :  بكة لأنها تُبكي حتى الجبابرة الظلمة لأنفسهم أو لمجتمعاتهم أو لدينهم وانتمائهم أو شعوبهم أو الإنسانية جمعا : ( فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ )[الأعراف:30 ]فكان لبعضهم مع الحج والعمرة ومكانه وزمانه عجائب :

أستاذ جامعي جزائري ملحد :  ولأنه كذلك تهافتت المنح الدراسية والألقاب العلمية ، ففي جرأة كان يجاهر بأفكاره وعداوته بمناسبة أو بغير مناسبة للدين ، حتى جاء يوم شعر فيه بفقدان توازنه وقدرته على السير ،أو قيادة السيارة ، أو إلقاء دروسه ومحاضراته بالجامعة .

    شعر فجأة أنه لا شيء على الإطلاق ، لم يسعفه أحدٌ من العلمانيين ، فهم أصغر وأحقر وأعجز أمام كيد الجبار رب العالمين جل جلاله . ومرت الشهور وهو كذلك ، نصحه أحد الصالحين أن يصطلح مع الله ، ويذهب إلى بيته الحرام ، يطوف بالكعبة ، ويرتشف من ماء زمزم بنية الشفاء ، ويلزم الدعاء والصلاة .

    يقول أنه في البداية : استهزأ بهذه النصيحة : لكنّ الغريق يتعلق بالقشة ، كما يقال ، وبعد إن أحاطت به خطيئته ، وتبدلت الأرض غير الأرض ، اسودت من حوله الأيام وأظلمت الأرض من حوله ، فصار يبحث عن النور ، ليس المهم من أين ؟ بل المهم أن يأتي ، فلما أضاء مشى فيه : لقد رضخ لفكرة : أن يعرض حالته على مولاه ، رضخت لها كل قواه ، وكل مشاعره ، وقرر الذهاب إلى مكة إلى بيت الله الحرام  ، قرر أخيراً الطواف ببيت الله الحرام ، والشرب من ماء زمزم ، قرر أن يرتشف من مائها ويضع كل أفكاره الإلحادية خلف ظهره . وبكل ذلٍّ فعل سافر ووقف أمام بيت الله تعالى الوحيد القادر على شفائه : دعاء الله تعالى دعاء المضطر  ، وتوسل إليه بكل اسم هو له ، استعطفه ورجاه ، سأله من رحمته وفضله وبحوله وقوته أن يُذهب عنه ما يجد ربي : ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )[الأنبياء83 ] بكى بحرقة وندِّم وعزم على أن لا يعود إلى الإلحاد أبدا  .. فكانت المعجزة : لقد شفاه الشافي المعافي شفاءً لا يغادر سقما ، بعد أن وقف الطب مشدوهاً أما حالته وأمام قدرة الله الخالق البارئ وحده ، رد الله جل الله عليه صحته وعافيته ، كما رده إلى عمله  .. تعجب من أمره : فمن يحارب مَن هذا أمره وقدره .

ومن يومها عاهد الله عز وجل أن : يجعل كلماته جل جلاله قبل كلامه ، فهو لا يبدأ محاضرة في الجامعة إلاّ بتلاوة ما تيسر من القرءان وبصوت ندي ومؤثر ، رغم أنه يدرس مواد بعيده عن علوم الشريعة .. لقد صالح نفسه وأصلح ما بينه وبين ربه سبحانه ، فبعد أن كان الشيطان وليه ، صار اليوم وليه الرحمن الرحيم .       

لص معلق بأستار الكعبة : يذكر الإمام أحمد بن حنبل غفر الله له أنه كان يسير في طريق الحج فإذا بقاطع طريق يسرق الناس ، وبعدها رآه يصلي في المسجد ، فذهب إليه وقال له : هذه المعاملة لا تليق بالمولى تبارك وتعالى ، لن يقبل الله منك هذه الصلاة وتلك أعمالك ..

  قال السارق: يا إمام بيني وبين الله أبوابٍ كثيرة مغلقة ، فأحببتُ أن اترك باباً واحداً مفتوحا ، وبعد أشهرٍ قليلة ذهب الإمام أحمد لأداء فريضة الحج ، وفي أثناء الطواف رأى ذلك الرجل معلقاً بأستار الكعبة يقول : تبتُ إليك .. لن أعود إلى معصيتك !

  تأمل الإمام أحمد هذا الأواب المنيب يناجي ربه وبهذه الحرارة ، وتلك العبارات الحية ، فإذا به لص الأمس . قال الإمام أحمد في نفسه : ترك باباً مفتوحاً ففتح الله له كل الأبواب .

اقرع باب ربك ولا تخشى المنون

ما قدِّر يكون

د. طــه حســين ينتحب أمام الحجر الأسود  :  كان  من النخب العربية المتأثرة بالفكر الغربي ، وممن دعا إلى الانسلاخ عن ماضينا الأصيل ، واستبدال الأحرف العربية باللاتينية ، كيف كان حاله وهو يقف أثناء زيارته للأراضي المقدسة في شهر جمادى الأولى سنة 1374هـ الموافق يناير عام 1955م كرئيس للجنة الثقافية  بالجامعة العربية لحضور الدورة التاسعة للجنة التي عُقدت  في جده ، وبعد الفراغ من الدورة قصدت الوفود مكة لأداء العمرة ، فشهد مرافقوه أنه طوال الطريق كان متنقلاً بين تلاوة آيات القرءان وبين التلبية حتى إذا كانوا بمحاذاة الحديبية طلب من السائق أن يتوقف ، ثم ترجل د. طــه حســين  وقبض من تراب الحديبية قبضة فشمها ، ثم تمتم ودموعه تنساب على التراب قائلاً : والله إني لأشم رائحة محمد صلى الله عليه وسلم في هذا التراب الطاهر ، وعلى مدى نصف ساعة بذل مرافقوه جهدهم في تهدئة روعه !! ثم واصل الركب سيره إلى مكة حتى دخلوا الحرم ، فتوجه د. طــه حســين  إلى الكعبة واستلم الحجر وقبله وهو يتنهد ويبكي ، أطال البكاء فأجهش معه المعتمرين بالبكاء [انظر المقال الافتتاحي لمجلة (الحج والعمرة ) مكة المكرمة : بقلم حسين محمد بافقيه العدد 1 ، 2 محرم وصفر 1426هـ ]

   وتأمل كيف كان أثر البقاع المقدسة على نفس أحد الذين حاربوا في صف أعداء الإسلام حياته كلها كيف لم يستطع إخفاء تأثره بل بكى وأبكى ؟! ولكن : ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[القصص:56]   

• حماية التنوع البيئي : فالأمة تتعلم من الحج درساً عملياً في حماية التنوع البيئي ، ففي مكة تجد التلاؤم النباتي الحيواني ، البيئي الطبيعي : ففي الحديث عن مكة والحرم : ( لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاها .. ) [رواه مسلم] وهو توجيه تربوي يغرس في نفس المسلم أن يحافظ على البيئة إذا عاد من حجه قدر المستطاع : فلا يقطع شجرة إلا لحاجة ، ولا يذبح حيواناً أو يقتله دون سبب : ( خمس من الدواب فواسقُ  ُيقتلَّن في الحل والحرم : الغراب والحداءة والفارة والعقرب والكلب العقور)

إن حماية البيئة لن تؤتى ثمارها حتى تتحول من سياسات وفضفضات إعلامية ، ومن مؤسسات وهيئات يقتات أصحابها على الشعارات ، إلى عادات إنسانية للأمم والأفراد ، ومطالب للشعوب تُجبر الحكومات والشركات عابرة القارات على احترام البيئة وحمايتها . فالكون منظومة متكاملة ، الإنسان سيده يسوسه بأمر الله تعالى صاحب الخلق والأمر ، القائل سبحانه : ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )[البقرة30 ]  يقوم بعمارة الأرض : ( هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ )[هود:61] . يستطيع الحاج أن يكون سفيراً إنسانياً وساعياً لحماية البيئة والمساعدة على حفظ توازنها بما يتربى عليه في حرم الله تعالى وأثناء ممارسة لشعائر حجه : فالموارد الطبيعية حقٌ للناس كافة .

والإفساد في الأرض ليس نشر الفواحش والرذائل فحسب ، بل قال تعالى : ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ )[الأعراف56] ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )[الأعراف85 ] والناس شركاء في : الهواء والنار والماء والكلاء .   

• الحج رمز توحد : يقول الشاعر عبد الوكيل صافي في قصيدته :

حُجاجنا طاروا وملءَ نفوسهم   دفءُ الحنين إلى بقاع الدعوةِ

طاروا بأجنحة الهوى وفؤادهم   يهوي إلى البيت العتيق بلهفةِ

في موقف التوديع لاعج شوقنا   وهيامنا أذكى شـجي الدمعةِ

فالروح منا قد سرت بمسيرهم   مسرى الضياء إلى كريم البقعةِ

وتردد الآفـاق صـوت مـوحد   لبيك وحــدك مــالكاً للنعمةِ

بملابس الإحرام كل الناس قد  جُمعوا على التوحيدِ دون مـزية

• الحجاج سفراء بلدانهم : يحققون قول الحق تبارك وتعالى : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ )[الحج28] فلو أننا غرسنا القيم الفاضلة في نفس كل حاج لكان سفيراً غير مقيم يبَّيض صفحات بلده في عيون جموع حجاج العالم من خلال سلوكه الأخلاقي الصامت فقط ، فكيف إذا أضاف إليه الدعاية التربوية الأخلاقية المتحركة بين الناس .

روَّج هذا للسياحة في بلده : المساجد الأثرية وأربطة العلم وزواياه بها ، المراكز السياحية والآثار العمرانية ، الهواء الطلق والبيئة النظيفة والهدوء ، وكم هم أولئك المترفين الذين يسيحون في الأرض ويهدرون الملايين هنا وهناك بحثا عن هذه المزايا فيأتون إلى بلده وينعشون الاقتصاد به ، وذاك روَّج لبلده المهيأ لأعمدة الاستثمار حيث الموارد البشرية المنتجة والنشيطة ، والأراضي البكر الصالحة للزراعة التي تنتظر من يفلحها ، ومقومات الصناعة والتعدين ، والثروات الطبيعية التي تنتظر من يستخرجها ، والمعادن التي تنتظر من ينقب عنها ، المياه الغزيرة .. إلاّ أن بلده تشتكي انهياراً اقتصادياً وفساد إداري وسياسي فكم هم رجال المال والأعمال والمستثمرون الذين يؤدون فريضة الحج كل عام يقرع أسماعهم مثل هذا العرض ، لعل أحدهم يسمع هذا فيقرر زيارة ذلك البلد ويفتتح بها مشاريع استثمارية تشغِّل أيادي عاطلة وتنمي إيرادات بلده .

     بهذا يطيع الحاج ربه ويكون سفير إنسانياً صدق لبلده وضيفاً متميزاً على الله في حرمه وبجوار بيته ، وضيفاً محبوباً على مضيفيه ساكني البقاع المقدسة .

     وكمثال للسفراء الأبرار حكى : أخي الأستاذ عمر عبد الله العامري [في كتابه : مذكرات حاج ص:85ـ86]  أنه قابل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم باكستانياً منزوياً بمفرده يبكي وعيناه تفيض بالدمع !! استغرب من بكائه وجلس بجانبه وسأله ما يبكيك ؟ فقال بعربية مكسرة : أتريد أن تبكي مثلي ؟ قلت : نعم . قال تخيل أن صاحب هذا القبر جالساً بيننا ( يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فهل تجده راضٍ عنك ، عن صلاتك وأدائها وخشوعها ؟ يقول الأستاذ عمر  : اقشعر جسمي وقلت : ثم ماذا ؟ قال : وهل ستجده راضٍ عن (أدائك) عملك الذي تعمل فيه ؟ هل تؤديه حسب ما أمرك ؟ يقول الأستاذ عمر  : هز مشاعري فبكيت مثله .

بقلم : محمد يسلم بشير   

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص