العزل السياسي كضرورة وطنية

إقرار مبدأ العزل السياسي في مؤتمر الحوار الوطني ليس فقط خطوة إيجابية على الطريق الصحيح بقدر ما هو ضرورة وطنية ملحة يستجيب لمطالب الثورة الشعبية ومضامين المبادرة الخليجية, ويعمل على توفير مناخات ملائمة وخلق فرص حقيقية للمضي في إعادة بناء الوطن والإنسان اليمني, اللذين نالهما الكثير من الأذى والإساءات على يدي نظام الرئيس السابق الأكثر شهرة في الفساد والإفساد, والذي حوّل كل شيء في البلد إلى سوق سوداء لممارسة العبث وأعمال العصابات, بما فيها السياسة ذاتها التي جعل منها سوق سوداء لإفساد الحياة السياسية وإعادة قولبة النظام وإنتاج نخب سياسية مُكرتنة تتماهي والمشروع العائلي, وتجاري صالح في احتراف الزيف والتضليل والمكر السياسي مقابل ثمن بخس.

لم يتوقف صالح عند حد إفساد الحياة السياسية والعبث بها, بل لجأ إلى خلق مؤسسات بديلة لعبت دور المؤسسات الرسمية للدولة وحلت محلها, وأتخذها صالح وسيلته لتكريس حكمه بمعزل عن الأطر الشرعية وضمن أدوات السوق السياسية السوداء التي تفنن بها وظل يلعب في ساحتها إلى أن قرر الشعب اقتلاعه وإنهاء مهازله.

إن العزل السياسي لصالح وفريقه الذي عمل بجانبه في إدارة شئون السلطة وصناعة القرار وتوجيه دفة الحكم, هو من أهم أولويات المرحلة السياسية المقبلة ومتطلباتها التوافقية, فهو من جهة ينسجم والتوجهات الدولية التي لا تجيز, إبتداءً, منح الحصانة للمتهمين في جرائم سياسية وجنائية جسيمة كالرئيس السابق, ومن جهة ثانية, فقانون الحصانة الذي شمل صالح ومن عمل معه يوجب بالضرورة عزلهم سياسياً وحظر مزاولتهم لأي نشاط سياسي, إذ لا يستقيم الجمع بين الحصانة والعمل السياسي كونهما نقيضان.

ويبقى من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن العزل السياسي الذي ينبغي تطبيقه على صالح ليس فقط لكونه متهم بجرائم قتل جماعية وانتهاكات صارخة بحق شباب ثورة 11 فبراير السلمية, ولكن أيضاً لجرائمه الكثيرة الأخرى التي ارتكبها عن سبق إصرار وترصد بحق الشعب اليمني على امتداد فترة حكمه الطويلة, وهي ليست مقتصرة على جرائم سياسية وحسب بل وجرائم جنائية كذلك, علاوة على جرائم الفساد وتحطيم الاقتصاد الوطني, والانغماس في نهب الأموال والثروات وخيانة الأمانة والمسئولية الوطنية, وإساءة استخدام السلطة, وتسخير الأجهزة الأمنية في قمع مناوئي النظام العائلي, وتدمير منظومة القيم المجتمعية وإثارة الحروب القبلية وتمزيق أواصر المجتمع, بالإضافة إلى الإضرار بالوحدة الوطنية والتآمر عليها, ونسج علاقات مشبوهة مع جماعات العنف والإرهاب.

لقد أوصل علي صالح البلد إلى حافة الانهيار, وصارت اليمن في عهده دولة فاشلة بكل المقاييس, وهو ما فتح الباب على مصراعيه للتدخل الخارجي في شئون اليمن ووضعه تحت الوصاية الدولية مع إعلان أول مؤتمر دولي بشأن اليمن في العام 2010 في العاصمة لندن. وفي عهد صالح غدت اليمن ملاذاً آمناً لما يسمى بالإرهاب الذي مازلنا نعاني منه حتى اليوم. وفي عهد صالح تم رصد أكثر من (400) حرب قبلية كان يجري تغذية أطرافها من القصر الرئاسي, هذا عدا ستة حروب مدمرة في صعده امتدت لسبع سنوات عجاف (2004- 2010), أنهكت البلاد واستنزفت مقدراتها وكبدتها خسائر بشرية ومادية فادحة, وألقت بأكثر من 500 ألف يمني في العراء وجعلتهم نازحين ومشردين في بلدهم.

وبدد صالح مليارات الدولارات التي خسرتها اليمن جراء صفقات فساد تزعمها وعصابته في قطاعات النفط والغاز والموانئ وكثير من القطاعات الإيرادية الأخرى, في الوقت الذي أدار أوسع شبكة فساد ومحسوبية عرفتها اليمن, إلى جانب شبكة تجارية ضخمة نافست أكبر بيوتات المال والأعمال حتى غدا التاجر الأول في اليمن, بما في ذلك تجارة السلاح ليس على مستوى اليمن وحسب بل والشرق والأوسط.

بعد ذلك كله هل ثمة من يجادل في استحقاق علي صالح لقانون العزل السياسي بعدما حظي, دوناً عن سائر رؤساء بلدان الربيع العربي, بقانون الحصانة؟! الواقع أن علي صالح جدير بمحاكمته وليس بالعزل السياسي فقط, فالعزل السياسي بحد ذاته هو مكافأة له إذا ما قارناه بتاريخه الحافل المفعم بالجرائم والانتهاكات الجسيمة بحق الوطن والشعب اليمني قاطبة.

(افتتاحية الإصلاح نت)

 

الإصلاح نت : كتب/ المحرر السياسي

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص