الدكتوراة.. قيمة لا موضة

تتحدد القيمة الحقيقية للشهادة وللدرجة العلمية بمقدار العلم والمعرفة التي يكافإنها ويحوزهما من تُمنح له .وتتدرج هذه الشهادات من التعليم الأساسي الى الثانوي الى الماجستير فالدكتوراة ومن ثم الأستاذية (البرفيسور).. فكم يجد الناس في الحياة ويتعاملون مع حملة لتلك الشهادات وهم دون مستواها العلمي والمعرفي ،وفي ذات الوقت قد يتعامل المرء مع اشخاص يحملونها وهم مستحقين لها ،كما قد يتعامل مع افراد قد ادركوا مستواها ولكنهم لا يحملونها . لقد جُعلت تلك الشهادات والدرجات كمعيار علمي اكاديمي متفق عليه عالمياً،ولكن هناك من يخل بهذه المعيارية من جامعات العالم وصروحه العلمية فينال من سمعته ومكانته عالمياً ومن سمعة ما يمنح من شهادات ودرجات .

والدكتوراة كدرجة علمية تتحدد بمستوى من حازها علمياً ومعرفياً وليس العكس ،أي لا تُقاس قيمية الانسان العلمية والمعرفية بحصوله على درجة الدكتوراه ،قيمة درجة الدكتوراة بمن يحملها لا بمن تحمله ،انها كالملابس فليست هي التي تُزين المرء في الواقع وليست هي التي تكسبه الشرف والمكانة والوجاهة ولكنه هو بخلقه النبيل وكسبه الجليل من يمنح الملابس القيمة والمهابة والجمال.

اريد للدكتوراه ان تكون معيار في التفوق العلمي والمعرفي والفكري ولكنها بمرور الوقت اصبحت موضة اكثر من كونها معيار تفوق ، وانه من المهم والجدير بالجامعات ان تحافظ على قيمة الدكتوراة كدرجة علمية والحيلولة قدر ما تستطيع دون تمريغها في الوحل وإسقاط مكانتها الخليقة بها والتي جعلت من اجلها.

لقد اصبح منح الدكتوراه عملية ميكانيكية يستطيعها كل من امتلك المال وفرصة الوقت من دون ضرورة ولا حتمية ولا لزمة للتفوق المعرفي والنبوغ العلمي،انها تُمنح بمجرد التقدم لها من بعد نيل شهادة الماجستير التي لا تختلف عنها في الميكانيكية ،يتقدم لها الراغب وربما ينتظم عام جامعي في (الدراسات العليا)وربما لا ينتظم ،وفي العام الذي يليه عليه اعداد رسالة الدكتوراه تحت اشراف استاذ وبموجب وفي بنود و شروط يستطيعها كل راغب، وربما أوكل من يعدها له بمقابل يتفق معه عليه بل ربما يسرق مادتها،ومع هذا هناك طريق مختصر لها وهو شرائها كأي بضاعة او سلعة وذلك في بعض الدول ،ليس العيب في كثير من الأحيان عيب الجامعة ولا عيب الأستاذ المشرف ولا الممتحنين للدارس ولكنه نظام تم الاتفاق عليه وهو في الوقت الذي يُبسّط آلية الحصول عليها لزيادة الراتب او التشبّع بها امام الناس فإن هذه الآلية ذاتها تفيد الراغب الجاد في بذل جهد دراسي وعلمي وبحثي مهم وفق رغبته وطموحه وتعشّقه للعلم والمعرفة.

تسعى جامعات اليوم وصروحه العلمية التي تمنح الماجستير او الدكتوراه او كليهما الى استقطاب الدارسين وذلك باعتبارهم مصدر مالي للجامعة ،وهذا في جانب حق لها ،ولكن يجب ان لا تتخلى عن وظيفتها كصرح للعلم وللمعرفة .ومما يعيب الدراسات العليا في هذا الزمن تراتبيتها وتقليديتها في كثير من الأحيان وقد اصبحت الكتب التي تتحدث عن بحوث الدكتوراه وكيفية اعدادها متاحة لكل احد ومما يؤسف له ان هذا التقليدية اصبحت هي المعتمدة مما يقتل الابداع ويُزهّد فيه لولا حكاية الموضة التي قد يصبح مهم للإنسان مواكبتها والحرص عليها لما اصبح مرهون بها من مكانة علمية وادارية ووظيفية ومالية ومجتمعية ..

مستوى النبوغ والتمكن الفكري والعلمي والمعرفي قد يدل على ويشي بأن صاحبه دكتور ،فيما قد لا تدل حيازته لشهادة الدكتوراه على ذلك المستوى، الحالة الأولى قد يكون صاحبها يحمل شهادة الدكتوراه او قد لا يحملها ،وفي الحالة الثانية فإن صاحبها تحمله الدكتوراه فينال مكانة وقيمة وظيفية و إجتماعية لا يؤهله لها مستواه الحقيقي معرفياً وعلمياً وفكرياً.

ما أروع أن يأتي طموح الانسان لشهادة الدكتوراه ونيله لها في سياق اهتمامه العلمي والمعرفي وبما يتواكب معه ويضيف إليه ويمنحه قدر أصبح مهم من رسمية مستواه العلمي ،و صورة قاتمة مظللة في احيان يمنحها الانسان لشهادة الدكتوراه ان يسعى للحصول عليها باعتبارها هي كشهادة لا باعتبار قيمتها ولا بمراعاة السياق الاجدر بها وبطالبها ان تأتي فيه ...

هناك من هو خليق بهم حمل الدكتوراة غير ان ظروف حالت بينهم وبينها وربما لا زالت تحول ،إما لعدم توفر القدرة المالية لديهم او الإرتباط بالعائلة ومتطلباتها مما يمنعه مفارقتها الى المدن او الدول الاخرى حيث يتوق للدراسة ،وربما لم يكن في زمن التحصيل في امكانه الالتحاق بالدراسات العليا لبعدها عن موطنه او وطنه .

بإماكان من حاز الدكتوراه ولكن مستواه دونها ان يبذل جهده في زيادة معارفه وحصيلته العلمية حتى يصبح في مستوى تليق به الدكتوراه مستحقاً لها،كما انه مُتاح لمن لم يحزها فيما بلغ مستواها ان يحرص ويكد ويجتهد على ان ينالها ان وجد الأمر يستحق ويتوجب عليه بذل هذا المجهود ليحقق الإفادة المرجوة والتي يرجوها هو من علمه ومعارفه وفكره.إن الدكتوراه في هذه الحالة ترتفع عن كونها ترف وتمظهر الى كونها ضرورة وفريضة.

بقلم : مرعي حميد

مفكر وباحث

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص