قف بعرفة إما بنفسك أو بروحك و جنانك في لهفة و شوق ، سترى التجليات و المعاني العظام لتستفيد منها في حياتك الى الممات و لعل من أجلها و أوضحها الاستمرار على الطاعة و العبادة التي تستلذ بها الروح إن عشقتها و استمرت عليها و داومت على أدائها ، فالعبادة و الاستمرارية عليها تمثل قمة الخضوع و اذل و الانكسار لله و تلبية لندائه العظيم : ( و أذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً و على كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) و إليك معنى آخر ظاهر في عرفات وهو أن لا حدود و لا جعرافيا و لا قطر يفرق بين المسلمين فجميعهم أمة واحدة و جسد واحد تذوب الفوارق بينهم ، حينما يقفون بموقف واحد و بلبس واحد و يلتجئون الى رب واحد و يدينون بدين واحد و يتبعون نبي واحد ، حينها تتوارى عصبيات الجاهلية الجهلاء و الخرقاء ، إذ تتوارى خجلاً من المفرقات التي صنعتها بين البشر ، فعرفات تقول ، فعرفات تنادي لا قبائل و لا أنساب و لا أحساب و لا أعراق و لا طوائف و لا شعوب تفرق بينكم معاشر المسلمين أنما كلكلكم لآدم و آدم من تراب .. الله ما أبسطها من معادلة و أرجحها و أجملها من قوانين إلهيه عادلة غير جائرة فكل الناس سواسية تحت لواء ( لا إله إلا الله محمد سول الله ) عندها تستعصي عليهم الأمم و الاعداء ، فالتفرق سبيله الانهزام و الضعف و تكالب الأعداء و الاعتصام سبيله النصر و القوة و هزيمة الأعداء ، و من المعاني الجلية للواقف بعرفة كثرة الدعاء و هو الطريق السهل لتقوية العلاقة بين العبد و ربه ، فمتى قويت تلك العلاقة هان كل مخلوق ضار و كل عدو متربص و كل خصم لدود ، اذا قويت علاقتك بالله لن يستطيع كائن من كان يضرك بشيء أو ينفعك بشيء إلا بإذن الله ، روى الترمذي و أحمد و صححه الإمام الألباني ، عن ابن عباس قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : ) يا غلام ! إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك جفت الأقلام و رفعت الصحف (فتعظيم مقام الخالق يورث في القلب قوة و شكيمة أمام المذلهمات و العوادي و الكروب ، فيصبر الواثق بأمر الله و يحتسب و لا يضره أذى مخلوق مؤذي ، و لعل مما يورث تعظيماً لله هو الخوف من الله و مراقبته في السر و العلن و في الحضر و السفر ، فالتقوى ثمرة يانعة و لذيذة و نتيجة مبهرة لكل عبادة أتقنها العبد و أخلص لله فيها ، قال تعالى : ( لن ينال الله لحومها و لا دماؤها و لكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ماهداكم و بشر المحسنين ) .
بقلم الشيخ : محمد سالم هبيص