كثيرٌ منكم من وضعته الواجبات الأسرية ، في مواقف مُحرجة لا تُحسدون عليها ، كحضور مراسم الزواج ، وجبر الخواطر ، والمشاركة في الأفراح والأحزان ، وتلبية الدعوة أمرنا بها ديننا الإسلامي ، خاصة هذا الزمان الذي انقلب فيه كل شيئ وأصبح بعض الداعيين لا يُقيمون اعتبارا ولا وزنا ولا مكانةً للمدعين ، وربما في حالات يكون الضيف ثقيلا على المُضيف حتى وان كان هو الداعي له ونخص بالذكر مراسيم الزواج بما فيها من حراوة وعقد قُران وحفلات غنائية ساهرة ودهاين ومن غير شكٍ إن ذاكرة الناس الذين تزوجوا وتزاوجوا وزوَجوا وزِوجِوا وصاروا اليوم بأولاد أولاد أولادهم يتذكرون تماما تبادل حفاوة الاستقبال وعظيم الترحاب من أهل العريس والعروس رجالا ونساءً وكيف كان التقدير المتبادل بين الطرفين وهم يوزعون ابتسامات الفرح فيما بينهم حتى وهم في أصعب مراحل التعب .
ولازالت الذاكرة تذكُر كيف أن أهل العريس مثلا يستعدون في وقت مبكر لاستقبال أهل العروسة من حيث تخصيص مكان خاص يتصدر السهرة أو الدهينة ويُمنع جلوس أي شخص فيه أو حتى الاقتراب منه إلاّ بعد أن يأتي الموفودون من أهل العريس لحضور السمر / وعند حضورهم تزغرد النسوة إشعارا وفرحة بقدومهم ثم يتم أخذهم ومرافقتهم من قبل أهل العريس الأب والأعمام والأخوال الى احد المنازل المخصصة لهم ويتم التعارف فيما بينهم على حنات الملاعق في فناجين الشاي ، بعد كل ذلك يتم أخذهم الى مكان السهرة المخصص لهم وهناك أغنيات طربية خاصة ترحيبية للطرفين وللعريس والعروسة .
طبعا كانت أيام ومراسيم وحفلات لا تسمع فيها الطلقات النارية المُنفرة التي في أحايين تنقلب الأفراح الى أحزان بسبب طلقة بنيران صديقة بل تسمع زغاريد النساء مرحبة بالقادمين ، فتسري فرحة الزواج واستقبال لياليه وأيامه الجميلة في عروق العريسين قبل الضيوف كالنسيم ، أما البعض من زواجات اليوم وأفراحها لا تشعُر بشي حتى درجة الاستقبال خفتت بشاشتها وحرارتها وضاعت في زحمة غير المدعوين ، وفي سهرة الطرب ترى المدعوين من أهل العريس يتلفتون يمنةً ويسرةً يبحثون عن مكان ٍ مناسب يليق بهم ، ففيهم العُقلاء والوجهاء والأطباء والمدراء وأصحاب المكانة الاجتماعية فلا يجدون مكانا مخصصا لهم كما كان أيام زمان فيضطرون على مضض وتأفف أن يرتمون في أي فراغ يراه الفرد منهم فمنهم من يجلس بين أولاد لا يحترمون الضيف ويتلفظون بألفاظ وقحة غير أخلاقية وحركات وسلوكيات لا صلة لها بتقاليدنا ، ومنهم من يجلس في مكان غير نظيف وهكذا يتمنى الواحد منهم أن تغوص به الأرض على أن يقع في مثل هذا الموقف الذي سببه عدم التنظيم المُسبق بل وتراجع مخيف في تقاليدنا الحضرمية ، كل هذا يقع في السهرات الطربية أما جلسات الزربادي فلا تشوبها شائبة ً ، فتحفظ للناس فيها مقاماتهم وللضيوف احترامهم ومكانهم ولاستقبالهم حفاوة وفرحة وبهجة ولا تجد منهم أو فيهم من يتطاول على الآخر فالصغير يحترم الكبير والكبير يأخذ بخاطر الصغير في حدود الأدب والمكانة الاجتماعية .
وعليه نرى ان ينظم الناس أفراحهم بالشكل اللائق بهم وبما يليق بضيوفهم فأفراح الزواج ليست أكلا للحم والمشاركة فيها وحضورها ليس تكليفا ولكنها تشريفا لصاحب الدعوة فليتقن كل داع دعوته وليكرم ضيفه وليحسن استقباله و لا احد ينسى او يتناسى إن للناس مكانتهم ومقامهم بين أهاليهم وفي أوساط مجتمعهم فأنزلوا الناس منازلهم ويكفينا فوضى وبهذلة وتراجع عن تقاليدنا وحبنا لبعضنا البعض .
بقلم : سليمان مطران
smb4242@gmail.com