في مصر يظهر بين الفينة والأخرى فرعون جديد يقهر الشعب ويبطش بدعاة الخير والحق . وشهد النصف الثاني من القرن الماضي حاكم فرعوني عسكري طبق سياسة الاستخفاف والقهر وصفق له أصحاب المصالح والنفوذ والذين تم حشو عقولهم بأفكار شاذة تقصي حاكمية الله ودينه الحنيف , فقام بإزهاق أرواح مؤمنة تحمل فكرا نافعا وعلما فريدا . وفي تلك المنحة ظن كثيرون أن نهاية جماعة الإخوان المسلمين مؤكدة . ولكن إرادة الله شاءت أن ينتشر نور دعوتهم في العالم بفعل خروج أبنائها من أرضهم . واليوم يظهر فرعون جديد ومن وراءه يتراص رتل من سلالة هامان وفوج من أحفاد قارون في مواجهة جديدة حاسمة بين الحق والباطل . ظهر " السيسي " متحكما في مصير الشعب المصري منقلبا على شرعية الحكم فيها , قائلا " ما أريكم إلا ما أرى ", ومؤكدا أن هذه الملايين المتظاهرة " شرذمة قليلون ولنا غائظون " , وإن قتلهم واجب يفرضه حب الوطن وحماية مصالحه منهم . وجليا يتضح النفق المظلم الذي يريد الحاكم العسكري إدخال مصر وشعبها فيه غير آبه بمن هم إخوان أو غير إخوان , فهم مستعدون للفتك بالجميع في سبيل العودة لحكم العسكر والنفوذ . القضية اليوم لم تعد القضاء على الإخوان كجماعة منظمة فاعلة وإنما القضاء على ما تجسده ككيان إسلامي لديه كل مقومات الدولة الإسلامية المعاصرة وفق آلية منضبطة معتدلة تسعى لتحقيق أهداف ربانية سامية . وفرعون العسكر يخطو بقوة نحو إقصاء الإخوان نهائيا , عبر سجن القيادات وبث الإشاعات ومطاردة الثوار وسفك دمهم وسجن الحرائر في سابقة لم تحدث من قبل , وكل ذلك الباطل لم يحرك في مشاعر الشعب الغافل غيرة ولا حمية , وربما علق بعضهم : " يستاهلون " ! بينما يحمل الغد لهم مالا تحمد عقباه .
وأخيرا قرر خبث الطغاة تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية وسن عقوبة الإعدام لمن قاد مسيراتهم والسجن لمن شارك فيها أو من يحمل أفكارهم ويدافع عنهم ! مرددين قول جدهم " ذروني اقتل موسى وليدع ربه ". أي استخفاف هذا وهو يضع أعناق ملايين الشعب تحت مقصلة الهلاك دون رادع ولا وجل . الإخوان إرهابيون ! أين دليل إرهابهم ؟ كم قتلوا من الشعب خلال حكمهم ؟ وكم فجروا من المنشئات طوال مسيرتهم ؟ إرهابيون لأنهم فقدوا ألوفا منهم برصاص الحكام , وأضاعوا ألوفا في سجون الطغاة , وتشرد منهم ألوف بين الأقطار , إرهابيون لأنهم أرادوا لمصر عزةً ومنعةً ولشعبهم فخرا وكرامة , إرهابيون لأنهم يسعون لتحرير الأقصى الشريف وإعادة خلافة الإسلام الراشدة على منهاج النبوة . قلت : طوبى لهم ولإرهابهم . فهل سيجعل هذا القرار الجائر ملايين الغافلين من الشعب تفيق من سباتها وتنزع الغشاوة عن عينها لتبصر الخطر القادم ولتعي الغد الذي ينتظرها ؟ ألا يرى السلفيون والأزهريون بعين الحق أن الحرب ليست على كيان الإخوان وإنما على شريعة الدين وما يحملونه من دعوة وأهداف ؟! كيف يجيزون هذا التعسف وهم يَدَّعون أنهم حماة العقيدة والتوحيد ؟! وكيف يرضى وجهاء القوم والكيانات السياسية بما يحصل اليوم للإخوان من ظلم وإقصاء ألا يدركون أن ذلك سيلحق بهم وبأبنائهم غدا ؟! الإخوان هم درع مصر الحصين أمام كل طغيان يحلم به أشباه فرعون وجنودهم , وهم سد أهلها المنيع أمام كل استخفاف وإذلال يريد أن يلحقه بهم هامان وقارون وأتباعهم .
ولئن تفتت الدرع ودُك السد فلا عزة لمصر ولا رحمة لأهلها . فلا تخذلوهم يا فرسان الكنانة ويا أبطال العبور .
بقلم : ابو الحسنين - محسن معيض