تقول هيلين كلر : " ما يكون بدعة في عصر ما، يصبح مألوفاً في العصر الذي يليه " . لا ادري عن المحسوسات التي يحل بها العصر، و عند أي العتبات يلقي برجله خارجا من هذا ليعلن حلول الآخر، فلنحيل هذا الأمر لذوي الاختصاص فلست منهم ، غير أن ما لفت انتباهي في عبارة الملهمة ( كلر) اشارتها بأن المداومة ترفع الحساسية تجاه أي جديد جميل كان أم بشع ، فالبدعة بدعتين كما نعرف حسنة و غير حسنة . نحن و العالم نقف الآن على إطلال حقبة من الزمن علينا ان نطوي معها صفحات الخيبة و الإخفاق ، و نبدأ بشيئ من الأمل عهد آخر نرجوه بمستوى تطلعاتنا التي عشناها حلما دون ان نراها واقعا تحت شمس النهار ، و خلال العام الماضي و ما قبله شهدنا أحداث جديدة وسلوكيات بإمكاننا ان نصفها مجازا بالبدع في واقعنا المحيط ، شهدنا إعادة انتاج كلمة ( لا ) بعد غياب، و ارتفع سقف الحرية و الكلمة بعد ربيع بلاد العرب، و صارت ردود الفعل لا تمر بأطوارها الصحية بل تتجلى غالبا في مرحلة الانفجار بما لذلك من سلب و إيجاب . حضرموت لم تكن بمعزل عن كيمياء التغيير الفكري و السلوكي ، فحتى أطفالها صاروا يصرخون و بقوة كلما شعروا بعدم الارتياح من شيء و لو كان ذلك معلما في المدرسة - سيئ الخط مثلا- ناهيك عن مشاكساتهم المصبوغة بتخمة الزخم السياسي الذي أدركوه بسطحية محضة ، و صرنا نشهد مظاهر غير حسنة و انتهاكات من هنا و هناك و دماء تسال ببرودة ، و فوضى تدعو للحيرة و زمام الأمور لم تعد بيد خيرة القوم ، و تراشق للتهم ، و مجتمعنا الحضرمي المثالي الحضاري باتت بعض مظاهرة تذوب في هذا الشتاء الذي أريد له أن يكون ساخن و نحن ندين و نضرب الكف على الكف بفعل هذه الفتن و البدع التي أصبحت تزاحم الواقع ، و أخشى ان تصدق معها عبارة ( كلر ) فتصبح مألوفة في الغد ، فترخص النفوس و يستساغ القتل و تترهل المبادئ و يستلذ العقلاء بصمتهم و الجهلاء بعلو كعبهم !
علينا جميعا ان نستثمر هذا التغيير و نحتويه و نصوبه ، فهي فرصة مؤاتية للنهوض ، و ان لا ننجر و نندفع وراء خبث المتربصون الذي نحسبه يلمع أحيانا ، فلست في موقف المشير على أحدكم ، لكن كلّي أمل ان نعيد النظر في ما يحدث و لنحافظ على رصيد الحب و الاحترام و القدوة الذي ورّثه لنا الآباء و نسجوه بذهب الخُلق الحسن و رجاحة العقل و الحكمة .
بقلم : أيمن باحميد