عندما يموت الضمير

يعرّف الضمير بأنه قدرة الإنسان على التمييز بين الصواب والخطاء والحق والباطل ، ويقود إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية التي تربى عليها وتعلم ، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية، وهنا قد يختلف الأمر نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدى كل إنسان ، فضمائر بني البشر تختلف لكن يتفق الأغلبية منم على فعل الخيرات وترك المنكرات ونبذها من مجتمعاتنا إن وجدت ، الضمير لا يتناول الماضي فحسب بل الحاضر والمستقبل  فالضمير لا يعاتب صاحبه على ما صدر منه في الماضي فقط, بل ويحاسبه عما يفعل في الوقت الحاضر، وعما سوف يفعله في المستقبل .

لكن المشكلة تتولد عند غياب الضمير أو موته ، فلا أحد يشعر بالمسئولية فترى البلد يعيش حالة الفوضى واللامبالاة والأدهى أن البعض يتفاخر بتلك الأعمال الإجرامية في نظر الكثيرين في المجتمع ، لأن الضمير قد يتسع ليشمل مجموعة من الناس ، فعندما يموت الضمير نجد قتل الأبرياء حاضرا بيننا تصفية لحسابات وتحقيقا لمطامع ، فتسال الدماء وتزهق الأرواح والضمير ميت ولم يعد حتى اللحظة لينه ِ مرتكبو جرائم القتل عن أفعالهم وأعمالهم وعند موت الضمير برزت بعض الأقلام الصحفية تؤجج الساحة وتؤيد ذلك بكلمات نفثتها أقلامهم الكريهة ، ففاح عبقها النتن ، تحولت معها البلاد إلى فوضى بعد أن ماتت ضمائر الكثيرين ، فعشنا نرى حالات السلب والنهب من بني جلدتنا ، دون إنكار المنكر أو التورع عن سرقة الأموال العامة بحجة أنها أموال الدولة ومباح التصرف فيها كيفما يشاؤون  .

حالات موت الضمير الإنساني كثيرة بعد أن غاب عن بعضنا أن ما يميز الإنسان من غيره من الكائنات الحية هو امتلاكه لضمير يفترض أن يكون دليله ومرشده ورقيبه الداخلي على الصعيد الأخلاقي والإنساني ، فموت الضمير وغيابه حتى يعني أننا انتقلنا من مرتبة الإنسانية إلى الحيوان البيولوجي الذي يحمل شكل إنسان ، فإيكال الأمور إلى غير أهلها يدخل في باب موت الضمير، والإخلال بأمانة المسئولية الملقاة على عاتق الكثيرين تقربا لزيد ٍ أو عمرو من الناس ، لأن الضمير لو كان حاضرا لنهى النفس عن الهوى وأمرها بإتباع الحق الذي هو أحق أن يتبع .

ديننا الإسلامي ذكر لنا حديثا يدل على وجود الضمير وهو حديث وابصة ابن معبد الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال له: "يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك المفتون"رواه أحمد بإسناد حسن كما قال المنذري في الترغيب وحسنه النووي أيضا وقال الألباني: حسن لغيره .

ليس هناك مستحيلا إطلاقا فمتى ماصلحت النوايا وتضافرت الجهود من قبل المخلصين ، الغير باحثين عن مصالح ذاتية وضيقة ، وقبل هذا وذاك توفيق من المولى عزوجل ، وبدعوات الوالدين والطيبين ، ستعود الروح والحياة إلى الضمائر التي ماتت ،خدمة للآخرين لأن  الضمير الانساني هو الذي يدفعنا نحو الاعتناء بالآخرين والمحافظة على مصالحهم دون أن طرح حقوقهم أرضا أو الضرب بها عرض الحائط .

 

بقلم : يوسف عمر باسنبل

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص