كتائب الرفض وسرايا اللاءات

نطالع في كتب التاريخ والسير دائماً عن فئة معارضة تقف في وجه حركة التغيير , فئة ترفع لافتة الرفض السلبي المطلق لكل خطوة إيجابية ينطلق منها المصلحون العاقلون نحو الخير . يرفعون لافتة ( لا ) وأخواتها في وجه كل توافق وطني ممزقين بها قلب كل استحقاق شعبي ومحطمين بها جسد كل تراص جماهيري . وحينما تناقش أعقلهم عن مبررات هذا الامتناع وعن البدائل المتوفرة لتحقيق أفضل مما هو كائن وموجود , تجد عنده كلاما عاما عاطفيا لا يرتكز على أسس مدروسة وتخطيط واضح سليم .! لا للوحدة .. لا للحوار .. لا للأقاليم . ونسأله السؤال الجوهري : هب أننا جميعا رفضنا ! فماذا بعد ؟! إلى أي مربع سننتقل ؟ وأي خيار سنقرر ؟ أم سنعود نخاصم بعضنا ـ كما هو حالنا دائما ـ في تكتلات داعمة لقيادات سياسية محددة ؟! إن مثل هذا التعنت لهو موقف مجرد من الدراسة المتأنية لكل الأبعاد والآثار , وفقير للقراءة السليمة للواقع ومنعدم النظرة الشاملة للغد . إنه دليل عناد شعبي وقلة فقه قيادي وانعدام بصيرة سياسية .

 إن مثل هذه التصرفات هي التي سببت لنا قديما المواجهات الدامية المسلحة , حينما كان لا يقبل جناح مناطقي أو فكر ي التعايش والتأقلم مع الأخر وأسلوب عمله وآلياته . وبدلا من الحوار والتنازل ولو قليلا يتم إزهاق أنفس وخسارة كوادر لمجرد إصرار على رأي كان بالإمكان تجاوزه إلى تحقيق مصلحة مستقبلية وتنموية للوطن والمواطن .

واليوم يتكرر مثل هذا فطائفة مناضلة ترى أن قرار تقسيم الجنوب إلى إقليمين لا يلبي حاجتهم وأن الحل في الانفصال أو إقليم جنوبي واحد , وترى من يحمل هذا الفكر فهو الوطني الصادق والجنوبي الأصيل , ومن كان وحدويا إقليميا فهو خائن وعميل ويجب محاربته وإقصاءه تماما , ولكنها في نفس الوقت الذي ترفع فيه رسالتها لا تملك تراصا جنوبيا موحدا قياديا وشعبيا ولا برنامجا مكتملا لإدارة الجنوب المستقل غدا .

ترفع شعار ( الانفصال أولا ) وبعدها سنتفق أو نختلف , لا يهم ذلك , فهذا شعبنا المستقل وتلك أرضنا المحررة وسنقرر غدا صلاح أمرنا أو خرابه . بينما هناك طائفة من الجنوبيين ترى في الأقاليم حلا نموذجيا يغني عن التنازع ويحقق لأهله وقياداته ما يطمحون له ويرجونه من تقدم وعدل ومساواة , وهو فرصة صادقة لنيل الحقوق تحت سقف انتمائي خاص وقيادة حقيقية من أبناء الإقليم لكل شئونهم وخططهم التنموية , وهو خطوة عملية نحو المستقبل الكريم بدلا من التقوقع خلف أحلام يؤكد الواقع عدم امتلاك أدوات التغيير الفاعلة حاليا , فالمراهنة على الشارع المختلط الغير منضبط والعاطفي المتعدد الرغبات لهو أمر قد أثبتت التجارب عدم نجاحه دائما . حينما تصرخ الجماهير في الميادين ( لا ) يجب أن تكون منطلقة عن فهم ودراية ونحو هدف وغاية , لا أن تكون كلمة عاطفية مرتجلة لا تدل سوى على انغلاق القلب وتحجر العقل . نعم لكل ( لا ) هادفة صادقة مدروسة عادلة مجردة . ولا لكل ( لا ) تفرضها مصالح قيادات وعاطفة شعب .

عقب هزيمة الأنظمة العربية في حرب حزيران 67م اجتمع زعماء العرب بالخرطوم , وصدر عنهم في 1 سبتمبر 67م قرار اللاءات الثلاثة مع إسرائيل : " لا سلام ، لا اعتراف ، لا مفاوضات ". ثلاث لاءات أطلقها الزعماء , ووراء كل ( لا ) ـ سرا أو علنا ـ مائة نعم . بينما المواطن ما زال يردد مناضلا بقوة ألف ( لا ) .

 بقلم :أبو الحسنين محسن معيض 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص