لم تعد حضرموت تلك الأرض التي نعرفها وتعرفنا، الأرض الآمنة المسالمون أهلها، المحبون للحياة المدنية الهادئة، الرافضون للعنف والتطرف والقتل والظلم، أحفاد الرجال الذين كان لهم الفضل الكبير بعد الله في نشر الإسلام في جنوب شرق آسيا، وبلدان القرن الأفريقي، والبلدان المطلة على المحيط الهندي؛ بالقدوة الحسنة والصدق والأمانة والتواضع الجم، ويحظون بالاحترام والتقدير أينما حلو في مهاجرهم الكثيرة في العالم..
لقد تغير الحال للأسف الشديد، وأقولها بكل ألم وحسرة: صار اسم حضرموت يقرن بالإرهاب والرعب والقتل.
ما هي الأسباب، يتساءل كثيرون من أبنائها المحبين لها والحريصين على أمنها واستقرارها ؟ هل يعود ذلك إلى قطرة النفط التي وُجدت في أرضها، ويعود خيرها لغير أهلها ؟ أو إلى شجرة القات اللعينة التي غزت أرضها وأفسدت شبابها؟ أو أن هناك أسباباً أخرى خفية لا نعرفها ؟ أو يعود ذلك إلى حالة الانقسام التي تعيشها المحافظة وغياب صوت العقل فيها؟ لقد أضحت ظاهرة القتل من الظواهر اليومية التي نسمع عنها هنا وهناك في المحافظة.. قتل ورعب من الجو تمارسه الطائرات الأمريكية بدون طيار، ففي يناير الماضي قتلت هذه الطائرات عدداً من الأشخاص في مناطق مختلفة من مدن وقرى وادي حضرموت بحجة محاربة الإرهاب، وفي مساء الرابع عشر من الشهر نفسه قتلت طائرة أمريكية بدون طيار بصاروخين شخصاً مجهولاً في منطقة (قريو)، حولت جسده إلى أشلاء، تناثرت أجزاؤه فوق الأشجار المحيطة بمكان الحادثة، وقد أثارت هذه الحوادث حالة من الرعب والخوف بين صفوف المواطنين إلى جانب ما يسببه من رعب التحليق المستمر لهذه الطائرات إلى أوقات متأخرة من الليل فوق مدن وقرى وادي حضرموت..
كما أن هناك رعباً آخر يأتي من الأرض تسببه الاغتيالات التي ينفذها مجهولون ضد الكوادر الأمنية والعسكرية مستخدمين الدراجات النارية، هذه الوسيلة الهامة للمواصلات التي يستخدمها الأهالي وعائلاتهم للتنقل بين مدن وقرى وادي حضرموت الواسعة، ففي نفس اليوم الذي قتلت فيه الطائرة الأمريكية بدون طيار الشخص المجهول كان هناك اغتيال لمدير المؤسسة الاقتصادية صباحاً في مدينة سيئون، وكأن هناك اتفاقاً بين هاتين الحادثتين .
إن لعبة القتل القذرة هذه التي يمارسها هؤلاء يمكن لهم أن ينجحوا من خلالها في القضاء على حياة إنسان ويخلقوا حالة من الرعب والخوف والفزع بين صفوف الناس، ولكنه من الصعب جداً عليهم أن يوقفوا إراداة الحياة، بل إن هذه الأعمال تجعل الإنسان أكثر تصميماً وقوة على مواجهتها والتصدي لها، لأنه لا يقرها دين ولا شرع، ولا تتفق وأخلاق الرجال والقيم الإنسانية والدينية.. لماذا تحرم أم من ابنها؟ وزوجة من زوجها؟ وطفل من أبيه؟..
إن أعمال القتل التي تحصل هنا وهناك لأسباب مختلفة، والسرقة والنهب والتي لم تسلم منها حتى المستشفيات والمدارس، وكذلك إرغام المواطنين على التنازل عن حقوقهم وأملاكهم تحت تهديد السلاح مستغلين غياب الدولة وحالة الفلتان الأمني الذي تعيشه المحافظة منذ فترة طويلة، هذه أعمال كلها تتنافى مع قيم وأخلاق الحضارمة التي عُرفوا بها بين شعوب العالم منذ القدم، كان الحضرمي يحافظ أينما حل على سمعته ومكانته بين الناس.. يقال أن رجلاً حضرمياً في إحدى دول الخليج أراد قتل ابنه الذي اتهم بالسرقة من قبل مؤسسة مالية كان يعمل بها، حفاظاً على سمعته وسمعة بلده.
أخيراً أقولها صراحة لأولئك الذين يمارسون لعبة القتل الخطيرة هذه : كفى رعباً .. كفى قتلاً !! إلى متى؟ لم يعد الناس تتحمل مزيداً من الدماء والقتل، ألم يكفنا ما نراه من دماء عزيزة تراق، ومن قتل ورعب في بلدان عربية شقيقة لنا.. لماذا يقتل الإنسان العربي المسلم أخاه لأتفه الأسباب؟
لننظر إلى الغرب الكافر، كيف يحترمون الإنسان وحياته، ويحرِّمون قتل النفس والاعتداء عليها..
كما أقولها صريحة أيضاً لأمريكا التي تدعي أنها زعيمة العالم الحر والمدافعة عن حقوق الإنسان زوراً وبهتاناً : أهذه حقوق الإنسان التي تتشدقون بها، وتدعون حمايتكم لها، وتحركون أساطيلكم البرية والبحرية والجوية لشن الحروب على الشعوب والحكومات الضعيفة بحجة حماية حقوق الإنسان، وأنتم تقتلون الناس بدون محاكمة، وتثيرون الرعب والخوف في نفوس الأهالي الآمنين في مدنهم وقراهم بطياراتكم بدون طيار التي تجول سماء مدنهم وقراهم ليلاً ونهاراً؟ أهذه حقوق الإنسان التي تدعون حمايتكم لها وتطالبون الآخرين باحترامها...؟؟؟
بقلم : أ. فرج طاحس