لا أنكر شغفي الكبير برؤية برامج عالم الحيوان التوثيقية بعدد من القنوات يأتي في مقدمتها قناة ( NAT GEO ) ( ناشيونال جيوقرافيك أبو ظبي ) والجزيرة الوثائقية، إلاّ أن القراءة والمطالعة في هذا الجانب ليست أقل تشويقاً من الرؤية والمشاهدة على أقل تقدير من وجهة نظري، بل ربما يجد المرء بعض المعلومات القيمة والغريبة في آن واحد ثم هي تربطه مباشرة بخالقه العظيم وبقدرته وصفاته العليا خلال قراءته في عالم الحيوان، فبعض الكتاب والحمد لله لديه حس إيماني رفيع يجعلك تستشعر عظمة الله فيما تقرأ، وهو ما أراه على النقيض في معظم البرامج التلفزيونية التوثيقية التي غالباً يعمل على إنتاجها أشخاص أقل ما يمكن القول عنهم أنهم يذكرون الطبيعة وقدرتها وينسون قدرة الله عز وجل ، طالما سمعنا وشاهدنا في مثل تلك البرامج أن العواصف والأعاصير يُقال عنها أنها من غضب الطبيعة ، وأن الإنسان يبذل سعيه في تحدي الطبيعة والانتصار عليها ، وأن المناظر الخلابة والشواطئ الناعمة هي من هبة الطبيعة ، فالطبيعة التي يدندنون حولها ما هي إلاّ كائن ومخلوق من مخلوقات الله سبحانه وهي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل أو تدرك فكيف نعزو إليها كل تلك الخوارق والهبات ؟.
كتاب جميل وأنيق يحمل عنوان ( من عجائب الخلق في عالم الحيوان )، مؤلفه محمد إسماعيل الجاويش، والكتاب يقع في ( 144 ) صفحة من القطع الكبير، ويحوي في ثناياه الصور التوضيحية الجميلة المعبرة عن شكل كل حيوان، ونبذة عن عجائب خلقته تجعل المرء يقف مشدوهاً لاهجاً بالتسبيح على عظيم خلق الله وإبداعه ومظاهر حكمته في الكون .
خلال مطالعتي للكتاب وقفت منذهلاً أمام رقة الفيل واكتناف روحه بالرحمة والطيبة ، فالفيل رغم أنه عملاق الغابة بلا منازع، والغابة لا تحوي أي حيوان آخر أضخم جثة ولا أكبر منه حجماً، إذ ربما يصل وزنه إلى سبعة أطنان، إلا أنه لم يتبختر بقوته الكبيرة أو يدوس على من تحته من الحيوانات عند مشيته المجلجلة ولو فعل لما استغربنا، لكنه حيوان خجول جفول يتميز بالحنان البالغ ، إذ أنه حال مشيه لا يمكن أن يقبل أن يدوس حيواناً صغيراً في طريقه ، وإن صادف وجود حيوان على الطريق فإنه على الفور يحمله بخرطومه ويضعه برفق على جانب الطريق ثم يواصل سير. سبحان الله! من الذي جعل الرحمة في قلب هذا الحيوان الذي لا يدرك شيئاً، أليست هذه المواقف تجعلك على الفور على اتصال بالخالق الرحيم، ألا تجعلنا نتذكر رحمة الله على الأرض ورحماته التي ادخرها لنا يوم القيامة ، يوم نكون أحوج ما نكون إلى الرحمة والعتق من العذاب ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " جعل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" رواه البخاري، وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار"، وفي رواية للإمام مسلم بلفظ : " إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة" . إذن تلك سجية الرحمة ندركها من حيوان الفيل، وهناك سجية أخرى هي سجية الصبر التي نعرفها من الجمل، وما أحوجنا أن نتعلمها من هذا الحيوان الذي أصبح رمزاً للصبر والكفاح، فالجمل يصبر على العطش والجوع والحر، ويصبر على السير في الصحراء ورمالها الملتهبة، وهو مع كل ذلك يحمل على ظهره الأحمال الثقيلة إذ يستطيع أن يحمل ما يعادل ( 300 ) كيلو جرام، ويسير بها لمسافات طويلة في أصعب الظروف وأشدها، فمن وهبه هذه القدرة على التحمل غير خالقه العظيم !، ومن طريف ما يُذكر عن الجمل ، أنه الحيوان الوحيد الذي يحمل الآخرين باركاً ثم ينهض، على خلاف بقية الحيوانات التي تحمل وهي واقفة .
ولا ننسى أن الجمل مع كل ذلك حيوان ذو أخلاق رفيعة وفريدة، فهو سهل الانقياد والاستئناس والطاعة، مفعم بصفات الصحبة والألفة والحنين إلى الوطن .
وحتى لا أطيل على القارئ ولا أزيح لوعة الاشتياق لمطالع كتاب ( من عجائب الخلق في عالم الحيوان ) فإنني اكتفيت بمثالين بسيطين علماً أن الكتاب يزخر بأعاجيب وغرائب الحيوانات كالأسد ملك الغابة والحوت في البحر أكبر الكائنات الحية على ظهر كوكب الأرض، وعالم الأفاعي الرهيب، وعلو الزرافة والقطط والكلاب صديقة الإنسان الوفية منذ قديم الزمن، وهناك غرائب الخفافيش والفئران والتماسيح والذئاب وغيرها الكثير ، وما أكثر الدروس التي سنستشفها من مطالعة ذلك الكتاب البديع الذي يحوي حيوانات تفردت في خلقها وأخلاقها لتشهد بعظمة الخالق وقدرته إبداعه .
بقلم : أحمد عمر باحمادي