حضرموت اليوم - متابعات
إنها "نجمة الجزيرة" خديجة بن قنة، إعلامية العام 2008 وإحدى سيدات الأعمال في دبي، رصينة، جدية، جذابة في تقديم نشرة الأخبار كما في برامجها الحوارية. صوت عميق وبحة محببة، وحضور أنثوي ذكي وحقيقي. ماذا أيضا عن خديجة؟
إعلامية جزائرية من مواليد العاصمة الجزائر، تخرجت من معهد الإعلام في جامعة الجزائر- قسم الإذاعة والتلفزيون، ثم التحقت بمعهد اللوفر لتكوين الصحفيين المحترفين في باريس.
بدأت في العام 1986 كصحافية في الإذاعة الجزائرية، ثم انتقلت إلى التلفزيون الجزائري، مذيعة للنشرة الإخبارية الرئيسية. بالإضافة إلى التغطية الخارجية، شاركت في تقديم العديد من البرامج السياسية حول الشؤون الجزائرية واغتيال الرئيس الجزائري الأسبق محمد بوضياف، وفي تغطية حرب الخليج الأولى في العام 1990 في تلك الفترة.
بعد هذه التجربة انتقلت للعمل في إذاعة سويسرا العالمية بصفتها مقدمة للأخبار، ومسؤولة عن الملف الأسبوعي الذي كان يهتم بالجالية العربية في سويسرا، وهناك أمضت أربع سنوات دخلت بعدها قناة الجزيرة القطرية عندما بدأت البث في العام 1996، وهي بالتالي تنتمي إلى الجيل المؤسس للقناة.
في قناة الجزيرة شاركت في تغطية الكثير من الأحداث الساخنة والحروب، كالحرب على أفغانستان، والحرب على العراق، والعدوان الإسرائيلي على لبنان، والانتفاضة الفلسطينية الثانية، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. بعدها اختارت ارتداء الحجاب، لكنها استمرت في عملها في «الجزيرة»، وشاركت في العديد من المؤتمرات التي انعقدت باسم الحوار بين الإسلام والغرب. ومنها مؤتمر برلين للحوار بين الأديان من تنظيم وزارة الخارجية الألمانية في العام 2005.
وتؤكد مصادر مطّلعة في قطر، مقرّبة من قناة الجزيرة ان خديجة كانت بين أبرز المرشحين لإدارة شبكة قنوات الجزيرة خلفاً للإعلامي وضاح خنفر، الذي تم فصله من منصبه بعدما دخل في دوامة مشاكل، عقب إساءة تعرّض لها الشيخ العلاّمة العراقي الشيعي علي السيستاني، أحد أكبر مرجعيات الطائفة الشيعية، خلال برنامج حواري يعده ويقدمه الإعلامي المصري احمد منصور.
تقول المصادر أن خديجة بن قنة كانت بين المرشحين لتولي المنصب، هي التي كانت تفكر في تلك الفترة بترك عملها في القناة لتنتقل إلى مؤسسة عالمية ودولية، لم يتم الكشف عنها.
وتقول المصادر أن الشيخة موزة حرم أمير قطر، من أكثر المتحمسين لتكليف بن قنة إدارة شبكة قنوات الجزيرة، وهناك جهات نافذة في العاصمة القطرية تقف وراء ترشيحها وتزكيتها لدى الشيخ حمد آل ثاني أمير دولة قطر، لتكون المسؤول الأول في القناة. وقد نُقل عن خديجة عدم حماسها لهذا المنصب الكبير، وقالت مصادر متابعة للملف أن الشيخة موزة تتابع شخصياً الملف. ومعروف أن خديجة أجرت قبل فترة حوارا مع الشيخة تم بثه على شاشة القناة.
ولم تتضح بعد الدوافع الحقيقية لترشيح بن قنة لإدارة قناة الجزيرة، علما أنها معروفة في مجال تقديم الأخبار والبرامج الحية وليس في مجال التسيير والإدارة.
وبعد مضي أكثر من عشرين عاما من العمل الإعلامي المكثف، تصف خديجة بن قنة نفسها بأنها أصبحت أكثر نضجا وخبرة، واقل خجلا وعزلة، وتقول: أنا من النوع الذي لا يجيد نسج العلاقات العامة والعيش وسط ضجيج المناسبات الاجتماعية. أعيش الحياة بهدوء بلا تفلسف أو تعقيد. وعقدان من العمل في الإذاعة والتلفزيون علّماني شيئا جوهريا هو أن التلفزيون اقصر الطرق إلى الجنون. فإما أن تصدّق انك مشهور ومهم، وعند أول غياب عن الشاشة تصاب بالجنون، لأن لا أحد يتعرف عليك، أو يسلم عليك في الشارع، وإما أن تتخذ من هذه المهنة وظيفة لك كوظيفة إدارية أخرى، وتقتل في داخلك (أناك) المتضخمة بنشوة الشهرة، وهذا خياري.
وعن العالم العربي تتساءل خديجة: علينا أولا أن نتفق ما هي قضاياه التي لم تُحسم؟ هل هي قضية فلسطين التي تسلمها الإخوة الأعداء، والتي لا يعرف أبناؤنا أين تقع؟ وهل هي غزة أو رام الله؟ أم أن قضيتنا هي الديمقراطية في عالم ليس فيه سوى برلمانين اثنين يعملان، أما باقي البرلمانات فهي ديكور لا أكثر؟ أيضا تسأل: هل أن قضية العالم العربي هي الأميّة في مجتمع 60% من مواطنيه لا يعرفون كتابة وقراءة أسمائهم؟ أم أنها توفير الخبز والزيت للعائلة؟ وتجيب: أن القضية الأساسية للمواطن العربي في رأيي، لا تحتاج إلى كثير من الفلسفة والتسييس. المواطن العربي يحتاج إلى الحرية، والى الحق في العيش خارج السجن.
أما عن أسلوبها في التعامل مع ضيوفها فتقول: أنا احترم الضيف الذي أمامي، ولا العب معه دور البطولة لأن المقابلة ليست حلبة للملاكمة، فيها غالب ومغلوب. وقوة الإقناع ليست في رفع الصوت، ولا حتى في امتلاك مهارات الخطابة والكلام، وإنما تكمن في امتلاك الحجة والبرهان والدليل والمعلومة الصحيحة. لكنني اعترف بأنني أصاب بالتشنج أمام الضيوف الإسرائيليين. وفي سنوات سابقة، كنت أتحامل كثيراً عليهم بالمقاطعة الفورية والرد عليهم بانفعال، وقطع المقابلة، عندما يصل النقاش إلى مستوى معين من الانفعال من دون توجيه الشكر للضيف، لكنني اليوم لم اعد افعل ذلك، لأن الهدف من المقابلة هو الحصول على معلومات أو موقف أو تحليل لحدث معين، ولو كان الأمر صعباً في حالات الحرب كالحرب الإسرائيلية على لبنان، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وتذكر خديجة أنها عندما كانت تعمل في التلفزيون الجزائري، تلقت عدداً من رسائل التهديد من جماعات مسلحة كانت تسمي نفسها إسلامية، وكانت تخاطب مذيعي التلفزيون على أنهم أعوان للطاغوت، والمقصود بذلك الدولة، وقد تم اغتيال عدد من زملائها في العمل، الأمر الذي اضطرها للهجرة إلى سويسرا.
أما عن لقاءاتها وحواراتها مع الشخصيات البارزة، فتقول بن قنة: أكثر اللقاءات رسوخا في ذاكرتي لقائي مع الشيخة موزة بنت ناصر المسند، حرم أمير دولة قطر، لأنها كانت أول مقابلة تعطيها لقناة عربية، ولأنها أيضا تناولت جوانب خاصة من حياتها كأم وزوجة، إضافة إلى ثقافتها الواسعة. كذلك فان لقائي مع الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد في طهران كان مميزاً، لانه تزامن مع جولة الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش إلى دول الخليج لإقناعها بخطورة النظام الإيراني، وكان في ذروة التصعيد الذي شهده الملف النووي الإيراني.
وفي ما يتعلق بالحجاب، تقول خديجة أن الأمر كان صعبا في بداية الأمر، لكن الأمر بدأ يتغير منذ سنوات قليلة، حيث أن الكثير من الفضائيات تصالحت مع الحجاب، والمسألة أصبحت اليوم تتعلق بامتلاك أدوات المهنة من صوت وثقافة وقوة الكاريزما والحضور، وليست مسألة شعر اسود أو أشقر أو إغراء. وتؤكد أنها إذا خُيّرت بين خلع الحجاب وترك العمل في التلفزيون، فإنها ستختار الثاني بدون أي تردد.
أما ثقافتها العالية فهي محصّلة تجارب حياتية، ولقاءات مع أناس يفوقونها علما وخبرة، كما تقول بالإضافة إلى الغربة القسرية عن الأهل والوطن هربا من الإرهاب. وقراءات لكتّاب كبار، وآخرين مغمورين، لم يسمع بهم أحد، واحباطات وألم، ونشوات وانتصارات "وان حفظت شيئاً فقد غابت عني أشياء".
وتؤكد خديجة بن قنة أن التوفيق بين العمل والبيت مسألة متعبة ومجهدة للغاية، تستحق عليها المرأة العربية جائزة نوبل، لأن الرجل العربي لا يقبل غالباً بمسألة تبادل أو توزيع الأدوار، ويشعر بأنها تُنقص من رجولته، لهذا لم تقل العرب "وراء كل امرأة عظيمة رجل" بل قالت "وراء كل رجل عظيم امرأة". وتستطرد قائلة: "في بلدي مثلاً، شاركت المرأة الجزائرية في حرب تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وحملت السلاح في الجبال إلى جانب أخيها الرجل، وضمدت جراح المصابين، ودفنت جثث المقتولين من الشهداء. والبطلة جميلة بو حيرد التي حكم عليها الاستعمار الفرنسي بالإعدام ما زالت مثالاً حياً شاهداً بيننا. لكن أين هن اليوم؟ فقد انفرد الرجال بحكم البلاد والعباد لتصبح الجزائر، بفضلهم، شهيداً آخر على قائمة المليون ونصف المليون شهيد. كما أن صانعي القرار التحريري الإداري في المحطات التلفزيونية والإذاعية، هم ذكوريون بامتياز، وهم بالواقع، لا يشذون عن القاعدة، لان المجتمع العربي ذكوري حتى النخاع".
إلى ذلك، تستغرب بن قنة التصريحات التي أدلى بها الدكتور مصطفى الفقي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب المصري، أخيرا عندما انتقد موقفها المناصر للجزائر، وساقه ضمن الحملة الإعلامية "السلبية" بين الجزائر ومصر، على خلفية المباريات في كرة القدم، بين منتخبي البلدين، وقالت: لقد مارست حقي كأي مواطنة تتمنى الفوز لمنتخب بلدها، وقلت بالحرف الواحد أنني أتمنى أن تنتصر الروح الرياضية، لكنني كإعلامية جزائرية، استسمج المشاهد العربي لأتخلى عن دبلوماسيتي كنت أقول: بصفتي مواطنة جزائرية، أتمنى فوز منتخب بلدي، وتأهل الخضر إلى مونديال جنوب إفريقيا. وليس من حق أحد أن يصادر حقي في مناصرة منتخب بلدي، وسأظل وفيّة لمنتخب بلدي الجزائر، وولائي الأبدي لوطني، وفي كل مرة نتأهل، سأخرج للاحتفال في شوارع الدوحة مع إخواني الجزائريين.
*جوزيف حرب- الكفاح العربي