حضرموت اليوم / متابعات
قال الشيخ / عوض القرني مؤاخذاتي على التيار المتشدد في السعودية ضحالة فقههم الشرعي واتهام النيات والنظر إلى الأمور بسطحية، وافتقار أفراده لمنهج التراحم بين الأمة، وذلك عدم إعذار المخالف من أهل الإسلام الذي يخالف خلافا سائغا.
واعتبر الشيخ / القرني في حوار مطول أجرته معه جريدة «الشرق الأوسط» نفسه في منطقة وسط بين الشيخين محمد الغزالي وعبدالرحمن البراك .
وحول الآراء التي تحرم الانتماء للتنظيمات والجماعات قال الشيخ / عوض القرني : وأنا أشفق على من يقول بأن التنظيمات والعمل التنظيمي محرم، هم بهذا الحكم يحرمون الدول والوزارات والشركات ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية وكل عمل مؤسسي سيكون محرما إذا كان حكمهم صحيحا، ولكني أقول «سبحانك هذا بهتان عظيم».
فإلى نص الحوار
* بداية مع كتابك «الحداثة في ميزان الإسلام» كانت هناك توقعات بعد انفتاحك، لاحقا، على بعض التيارات أن تتراجع عن الكتاب إلا أنك قلت مؤخرا إنك لو تريثت في كتابته للفترة الحالية لكان أكثر عمقا ونخبوية؟ هل كان كتابك سطحيا؟
ـ كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام» لا بد أن يؤخذ في سياقه التاريخي الذي صدر فيه، حينها كانت الحداثة تطرح شعبويا بشكل يومي في الصحف ومنابر الأندية الأدبية، وكان تناولها بهذه الصورة وبهذه الكيفية، هذا الأمر الأول، أما الأمر الثاني، أنا لم أتطرق للحداثة من الناحية الأدبية على الإطلاق، وكتبت ذلك في مقدمة الكتاب، وما زلت أقول اليوم وغدا ومستقبلا، إن الجانب الأدبي في الحداثة لا يعنيني كثيرا وإن كان لي في ذلك خياراتي، لكنها ليست بذات الأهمية التي تدعوني إلى تأليف كتاب وإقامة معركة إن صحت التسمية، الذي يعنيني في أمر الحداثة هو الجانب الفكري والجانب الفلسفي، وهو أمر مفصلي بالنسبة لنا كمسلمين.
* منتقدو الكتاب يعتبرونه تناول قضايا أدبية وثقافية بسطحية؟
ـ لا أعتقد أن الكتاب كان سطحيا، لكنه كان تناولا سهلا ميسرا، بحيث إن أي مسلم عربي يسمع ما أقول وأدلل عليه يفهمه بسرعة، لم أحاول أن أغوص في الجذور الفلسفية التي لا يفقهها إلا بعض المتخصصين، وربما لو جعلته أكثر عمقا لكان أكثر نخبوية، وهذا لا يعني أنني أفضل الآن أن يكون أكثر عمقا وأكثر نخبوية، ما زلت أقول إن الكتاب مطروح على الساحة عبر تلك السنين، والنقد الذي تعرض له من خصومه أستطيع أن أقول إنه كان نقدا سطحيا.
* هل تنوي أن تعيد بعض المراجعات عليه؟
ـ لن أعيد عليه أية مراجعات وسأبقيه شاهدا على مرحلته، ويتناوله الناس في سياقه الثقافي والتاريخي والاجتماعي الذي ورد فيه، ولكن قد تكون هناك كتب جديدة.
* الشاعر والأديب والمثقف السعودي محمد العلي قال إن الكتاب عرض المثقفين في السعودية على وجه الخصوص لمحرقة حقيقية؟
ـ هم أحرار في أن يسموا ما تعرضوا له من قبل الناس بسبب الكتاب، أي شيء، ولكني أذكر الماركسي سابقا والحداثي لاحقا محمد العلي بما قلته قريبا في نادي جدة الأدبي، عندما قال في مداخلة له في إحدى الندوات «الحمد لله أنني أصبحت قادرا على مناقشة عوض القرني، بينما كنت غير قادر على ذلك عندما صدر كتابه (الحداثة في ميزان الإسلام)»، فعقبت عليه وقلت: «الفترة التي يتكلم عنها الأستاذ ويزعم أنه كان غير قادر على مناقشتي فيها بعد صدور الكتاب، كان في تلك الفترة نائب رئيس تحرير أكبر صحيفة في البلد في ذلك اليوم، كان يتقاضى راتبا شهريا مجزيا، ويكتب يوميا ويقرأه عشرات الآلاف، ويجيز من المقالات ما يريد ويشطب ما يريد، في تلك الفترة التي يزعم أنه أقصي فيها وهذا حاله، كنت ممنوعا من الخطابة ومن الكتابة ومن السفر ومن المحاضرة ومن الندوة فمن أقصى من؟!». لم يكن بأيدينا أية سلطة في تلك الفترة، وقد يكون أحد أسباب خروج الكتاب، أننا كنا نتوسل محمد العلي وغيره ليسمحوا لنا ببضع دقائق نداخلهم بها في منبر، أو ببضعة أسطر نداخلهم بها في جريدة، ولا يمنون علينا بذلك، ومحمد العلي كان يكتب في عدد من الصحف لحظة صدور الكتاب واستمر يكتب ولا يزال يكتب إلى الآن، غاية ما كان أننا خاطبنا الجماهير فاستجابت لنا وهم يرون أن هذه جريمة، مع أنهم يزعمون الاحتكام إلى الشعوب والجماهير وإلى ذائقتها وإلى رأيها، فإذا اختارت رفضوا اختيارها إلا إذا كانوا هم الاختيار.
* يلاحظ خصومك عليك «النرجسية الطافحة» فأنت تعد كتابك «الحداثة في ميزان الإسلام» من أهم الكتب الفكرية في القرن العشرين، رغم كونه كتابا شديد السطحية بحسب رأي بعضهم؟
ـ أولا: هذه تهمة تحتاج إلى دليل، وإذا كان دليلها اعتدادي بالكتاب، فلماذا الكتاب منذ 24 سنة ما زال شغلهم الشاغل إلى الآن، رغم أنهم يرونه سطحيا وهامشيا؟
ثانيا: لست أنا من عد الكتاب أحد أهم الكتب الفكرية في القرن العشرين، بل إذاعة الـ«بي بي سي» (القسم العربي) في عام 2000 أو 2001 عملت استبيان وأذاعوه على العالم، عن أهم 10 كتب صدرت باللغة العربية في القرن العشرين، فذكروا أن كتابي أحد هذه العشرة، ما هي المعايير التي وضع على أساسها الاستبيان بمن اتصلوا، من قيم الكتب.. لا أعلم عن ذلك شيئا. فشاعت هذه المقولة بعد الاستبيان، لكن رغم ما قالته الإذاعة، ورغم ما يقوله عوض القرني، دعوا الكتاب يموت ولا تبعثوه من مرقده خلال 24 سنة أحيانا بشكل يومي إن كان لا يعني لكم شيئا.
* هل ما زلت ترى أن هناك منظومة دولية هدفها النيل منك وأن الكاتب السيد ولد أباه حلقة ضمن هذه المنظومة؟
ـ السيد ولد أباه دفع له ليكتب في صحيفة «الشرق الأوسط» نصف صفحة ربعها صورة لكتابي وربعها الآخر صورة لي وله (تعليق من المحرر: الزميل الكاتب السيد ولد أباه كاتب منتظم في الجريدة، سابقا، وكأي كاتب منتظم يتقاضى أجرا شهريا!). فهللوا لها بعد 20 عاما من صدور الكتاب واعتبروها نصرا مؤزرا والفتح الذي انتظروه، ولا أعلم عن هؤلاء المفكرين والمثقفين الذين انتظروا 20 سنة ليكتب لهم ربع صفحة عن الكتاب، لم يورد كاتبها نصا واحدا من الكتاب أو حقيقة من الحقائق التي تناولها، إنما أعاد اجترار بعض التهم العامة، ثم رد عليهم البعض في منتدى دار الندوة الليبرالي (المحرر: منتدى حوارات سعودي على شبكة الإنترنت)، وقال: إنه من العار أن نحتفل هذه الاحتفالية بهذا المقال، ونحن نعلم أنها مقالة مدفوعة الأجر.
* بمناسبة وفاة محمد عابد الجابري (يرحمه الله) هل ما زلت ترى أنه شيوعي؟ مع أنه لم يقل بذلك أحد إلا أنت، فالجميع يعرفه بأنه اشتراكي؟
ـ محمد عابد الجابري من يقرأ سيرته يجد أنه من مؤسسي الحزب الاشتراكي، والحزب الاشتراكي المغربي تكون من عدة أجنحة، كانت فروعا لعدد من الأحزاب الفرنسية قبل الاستقلال، تجمعها الفرانكفونية، وكان بعضها فروعا للحزب الشيوعي الفرنسي، وبعضها كان فروعا للحزب الاشتراكي الفرنسي، وبعد الاستقلال جمعها حزب واحد وكان الجابري عضوا في المكتب السياسي للحزب، من كتب من الكتاب المغاربة عن تلك الفترة قالوا إن بداية تكون الحزب كان من الجناح الشيوعي، وبلا شك أن محمد عابد الجابري بعد ذلك حاول أن يتجذر في التراث العربي، وإن كان تجذرا انتقائيا، ولم يعلن في يوم من الأيام تخليه عن الحزب الاشتراكي.
* ألا ترى أن هناك فرقا بين الاشتراكية والشيوعية؟
ـ الاشتراكية والشيوعية بينهما قواسم مشتركة كثيرة، وبينهما بعض الاختلافات، لكن لا يوجد شيوعي غير اشتراكي، بينما يوجد اشتراكي غير شيوعي، ومحمد عابد الجابري اشتراكي باسم الحزب الذي انتمى له، لكن الناس لا تبحث عن جذور تكون هذا الحزب، وحقيقة لا أعلم الآن هل ورد في كتابي أنه شيوعي أم اشتراكي. قطعا محمد الجابري في آخر حياته لم يعد ينادي بالشيوعية لأنها سقطت في العالم كله وتخلى الجميع عنها، بل بعض الذين كانوا من رموزها في البلاد العربية أصبحوا يعرفون بالليبراليين الجدد، وانظر أين الشيوعية من الليبرالية، وبعض رموز الليبراليين أصدروا ما يسمى بـ«مانفيستو الليبراليين الجدد» وانتقلوا نقلة بعيدة جدا. في كتابي كنت أتحدث عن فترة تاريخية سابقة، ومن يتحدث عن محمد عابد الجابري الآن غير من يتحدث عنه سابقا.
* تيار الصحوة في السعودية وأنت أحد صقوره يرى أنه يتعرض للإقصاء من وسائل الإعلام، رغم أنه بحسب حوار أجريته مؤخرا يمتلك 100 قناة فضائية؟ كيف يكون ذلك؟
ـ أولا أنا تحدثت عن القنوات على امتداد العالم الإسلامي، باللغة العربية وبغيرها، وعندما أتحدث عن الإقصاء أتحدث عنه في الصحف السعودية، وهذه لا ينكرها أحد، ومن يحاول أن يدافع عن إقصاء الصحف السعودية للتيار الديني سيجلب لنفسه تكذيب الجماهير كلها، ومن تتفضل من الصحف بمنح فرصة للتيار الديني تعطيه صفحة أسبوعية، وهذا الواقع معاش من قبل كتاب الحداثة ومن بعده وإلى الآن، وأنا لم أتحدث في هذا الأمر وحدي بل الكثير وحتى من كبار المسؤولين. ولو كان الوجود الفكري الإسلامي في الصحف السعودية بحجم وجوده في المجتمع، لكان أمر الصحف مقلوبا بنسبة 90 في المائة.
* لماذا تستدعي كل عبارات التخوين والعمالة عندما يطرح مشروع التغيير من قبل أشخاص لا ينتمون إلى التيار الصحوي بينما لا ينظر لها تلك النظرة إذا طرحت من قبل شخصيات التيار الديني (بمعنى آخر التغيير هو ما نقرره وما نباركه هذا ما تريدون قوله)؟
ـ أي تغيير إما أن يستند إلى مرجعية الشريعة وإلى هوية الأمة وخصوصيتها وثوابتها، وإما أن يكون التغيير تغييرا جذريا مستوردا، ويكون نموذجا مختلفا تماما، وكمثال في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كان هناك من يسعى للتغيير تحت لافتة الماركسية، ولا يستطيع أحد أن يقول إن التغيير الماركسي يمثل الأمة ونابع من داخلها، كل ما في الأمر أن مجموعة من أبناء الأمة اعتنقوه، ثم سعوا للتغيير، إما من خلال الوسائل الإعلامية والثقافية والفكرية والعمل السياسي، أو من خلال الانقلابات العسكرية، المحك ليس التغيير فقط بل ما هو التغيير وما هي أهدافه، هل هذا التغيير ينطلق من الإسلام كمرجعية ومن ثوابته، وهوية الأمة وخصوصيتها، أم أن التغيير يأتي متدثرا بعباءة الليبرالية، أو كما كان سابقا تحت لافتة الماركسية، أو الاشتراكية، فحينئذ نقول إن هذا التغيير لا يمثلنا، بل يمثل أناسا آخرين لهم وكلاء تجاريون لدينا، يحاولون أن يسوقوا ويروجوا بضاعتهم.
* حركة الإخوان المسلمين في السعودية حركة حقيقية، والشيخ يوسف القرضاوي قال إن مناع القطان هو مسؤول الإخوان في السعودية، كيف ترى ذلك؟ أين تلتقي معهم؟
ـ كل من كتب عن الإخوان في السعودية من الإخوان أنفسهم، ومن بينهم الشيخ يوسف القرضاوي، يؤكدون فيما كتبوه أن الإخوان في مصر عندما جاءوا إلى السعودية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، كان لهم تنظيمهم الخاص، وأن مناع القطان كان على رأس هذا التنظيم، بل أكد بعضهم في كتاباتهم أن قيادات التنظيم عندما جاءوا إلى السعودية اتخذوا قرارا وكانوا متمسكين به، بعدم العمل التنظيمي بين السعوديين على الإطلاق، وذكر بعضهم أن دواعي العمل التنظيمي في مصر لم تكن قائمة في السعودية ولا حاجة لها، وأن ما أقيم التنظيم من أجل تحقيقه في مصر قائم ومتحقق في السعودية، يبقى بعد ذلك التأثر الفكري وهذا أمر طبيعي، فحركة بحجم الإخوان منتشرة في المنطقة وكتبها موجودة، وشخصياتها منتشرة وإعلامها منتشر، من الطبيعي أن يحصل هناك تأثير وتأثر، حتى الكتابات المنصفة تؤكد أن الثقافة الدينية المحلية في السعودية بعد اتصالها بالإخوان أثرت فيهم، في مصر وغير مصر، وحدث على ضوء ذلك عدد من المراجعات في فكر الإخوان. هذا أمر طبيعي، فإذا وجد في أرض الحرمين من اعتنق الفكر الماركسي، والفكر القومي، والفكر الليبرالي والفكر الحداثي، أفلا يمكن أن يوجد من يعتنق الفكر الإسلامي أيا كان هذا الفكر. ولكن مرة أخرى أوضح أن وجود الإخوان في السعودية والجهات الرسمية تعلم ذلك، بين السعوديين هو تيار فكري يؤثر ويتأثر، ولا يستطيع أحد أن يقدم دليلا على أنه نشأ تنظيم خاص بالسعوديين على شاكلة التنظيمات في الدول الأخرى ومرتبطة بها تنظيميا، لا لعدم جواز قيام التنظيمات، بل لعدم الحاجة لقيامه.
* هل هناك ضير أو عيب في الاعتراف بوجود الحركة في السعودية وأنت أحد قياداتها كما تشير الأنباء وأنت ذكرت في أحد حواراتك أن أعضاء تيار الصحوة هم «سلفيو الإخوان»؟
ـ لا ضير في ذلك ولا عيب، ولكننا نقرر الواقع كما هو، فنقول إن الحاجة منتفية والواقع يؤكد عدم وجود ذلك، فنشوء وقيام التنظيمات في العالم يقوم بناء على الحاجة والتحديات التي يراها معتنقو فكر معين، فعند انتفائها لا يسعون إلى قيام التنظيم، ثم أيضا جانب آخر هو أن المجتمع السعودي والأنظمة في السعودية، سمحت بقيام الجمعيات (مؤسسات المجتمع المدني) ولم تسمح بقيام التنظيمات، فإذا لم تكن هناك حاجة ولم يكن هناك تأطير رسمي والواقع لا يقول بوجود ذلك، فأين هي المشكلة؟ أما الذين يقولون بذلك في الفترة الأخيرة فهم أوردوها على سبيل التهمة التي تفتقر إلى الدليل والمصداقية، فعلى سبيل المثال قالوا إن عوض القرني يقود التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فتصور رجل في قرية في جبال عسير يقود تنظيما دوليا في 90 دولة في العالم، ويمر عليه 6 أشهر لا يسافر من هذه القرية، وهذه أضحوكة.
* البعض يتهمك بأنك أول شيخ صحوي يحرم الانتماء للتنظيمات والجماعات، قلت في حوار «إن الانتماء للتنظيمات والجماعات أمر لا يجوز شرعا»، كيف تريد أن يقرأ جيل الصحوة ذلك؟
ـ لم أقل ذلك ولم أتلفظ به على الإطلاق، ومن نقل ذلك على لساني فقد كذب، أنا لا أحرم العمل التنظيمي، والعمل التنظيمي في الأصل قضية إدارية وقضية فطرية، ولكنني أقول إن قيام أي تنظيم وليس بالضرورة أن يكون تنظيما دينيا أو سياسيا، على أرض الواقع مرهون بمدى الحاجة إليه، وأنا أشفق على من يقول بأن التنظيمات والعمل التنظيمي محرم، هم بهذا الحكم يحرمون الدول والوزارات والشركات ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية وكل عمل مؤسسي سيكون محرما إذا كان حكمهم صحيحا، ولكني أقول «سبحانك هذا بهتان عظيم».
* أثيرت سجالات بشأن الخلافات بين التيارين «السروري» والإخواني في السعودية على خلفية نتائج الانتخابات البلدية في الدمام وجدة؟ كيف ترى هذه السجالات؟
ـ لم يكن هناك خلاف أو اختلاف بين الإسلاميين في جدة وكان هناك شبه اتفاق ضمني بينهم، بحيث إذا ترشح أحد في دائرة ألا يترشح فيها الآخر بل يبحث عن دائرة أخرى يترشح من خلالها. إنما ما ترتب على الخلاف الذي حدث في الدمام ألحق به جدة لتسريبها إلى القراء وإيهامهم بالحقيقة، وخلاف الدمام لم أكن قريبا منه وإنما تابعته من خلال المنتديات وتحديدا عبر ما كتبه أحدهم في أحد المنتديات، وتحليلي أن هناك مجموعتين من المتدينين ذوي التوجه الإسلامي، كانت لهم برامج مختلفة أو رؤى مختلفة، فخاضوا الانتخابات بقائمتين مختلفتين، وما جرى بعد ذلك أن المراقبين صوروه على أنه صراع، وبعد أن فتشت القائمتين وجدت في كل قائمة من يصنف على أنه إخواني ومن يصنف على أنه سروري، ومن يظهر لي أن الفرز لم يكن قائما على تصنيف فكري بل كان على أسس برامجية أو مناطقية أو بسبب العلاقات الشخصية، والانتخابات البلدية لا تحتمل أن يكون الخلاف فيها خلافا فكريا أو سياسيا، فهي انتخابات خدمية والدليل أن ثلاثة من السبعة كانوا في القائمتين التي روجت بالجوالات والنت. لذلك الانتخابات في جدة لم يكن فيها الخلاف الذي كان في الدمام، أو حتى الذي حدث في الرياض الذي كان أكبر من المدينتين، كانت المسافة بين بعض حملات الإسلاميين لا تتجاوز 200 متر، كلهم إسلاميون، أساتذة في جامعة واحدة أو رجال أعمال، وتنافسوا تنافسا مفتوحا تماما، لكن لأن أحد الكتاب أتى هنا وصنف، فمضى الإعلام خلفه بينما لم يصنف أحد هناك.
* هل ما زلت عند رأيك في محاضرتك الشهيرة في أوساط إسلاميي السعودية المسماة بـ«القوى الضالعة في المنطقة» حول مخططات الغرب للاستيلاء على مناطقنا، في ظل حرب تحرير الكويت أول التسعينات؟
ـ أنا تحدثت حول حرب الكويت عن القوى الضالعة أهدافها ودوافعها، وعدت في ذلك عند بداية احتلال العراق، والقضية لم تعد بحاجة إلى دليل، أميركا كانت تحلم بأن يكون لها بارجة واحدة في الخليج وهنري كيسنجر أعلن بعد حرب 73 أن القدر جعل هذه الثروة الضرورية للغرب بالخطأ بين أيدي ناس ليسوا أهلا لها، ثم حدث احتلال الكويت عام 1991، التي رسمت وفبركت خارج المنطقة وكانت الجسر الذي عبرت بواسطته القوات الأميركية إلى الخليج واليوم نرى القوات والبوارج تتحكم في المنطقة. والقضية لم تزدني بها الأيام إلا قناعة، فالولايات المتحدة الأميركية تستخدم الحصار الاقتصادي مع إيران الآن واستخدمته مع ليبيا ومع السودان وغيرها سابقا، لماذا النفط وحده لا علاقة له بالسياسة، أما قضية أنها حرب صليبية فالذي أعلنها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش نفسه، وأتى مروجو ومسوقو المشروع الأميركي في المنطقة ليقولوا لنا إنها زلة لسان.
* بمناسبة ذكرنا قبل قليل للصراع الإخواني - السروري بين إسلاميي السعودية، ما هو رأيك في الداعية الإسلامي السوري محمد سرور بن نايف زين العابدين، الذي ينسب إليه هذا التيار؟
ـ من خلال متابعاتي القليلة لكتبه لا أراه عالما شرعيا، وبعد بحثي اكتشفت أنه لم يتلق دراسته في كلية الشريعة بمعنى أنه لم يتخرج منها، وما ألحظ عليه أنه مهتم بالسيرة النبوية. طبعا وسائل الإعلام تنسب له كثيرا من الأدوار في السعودية وأرى أنه نوع من المكايدات، فالرجل مر على السعودية في شبابه قبل أكثر من ثلاثين عاما، لبضع سنوات وحدث بعد ذلك تقلبات وتطورات، ويزعمون أن هذا الرجل محرك رئيسي للأحداث وهو لم يكن كذلك في بلده سورية، ولا في البلدان التي أقام فيها عمره كله.
* أين تختلف وأين تتفق معه؟
ـ ما كنت معنيا بذلك، له مجلة سمعت بها اسمها «السنة» لم أطلع عليها، وبعض كتبه وزعت في السعودية، من الكتب التي نسبت له كتاب «وجاء دور المجوس»، وإن لم يكتب اسمه عليه وهو كتاب كان يوزع بشكل رسمي في السعودية عند بداية الثورة الإيرانية، والكتاب جيد وإن كان فيه بعض المبالغات والتضخيم للخطر الشيعي والإيراني، وهي هواجس مبالغ فيها، وله كتاب آخر بعنوان «منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله».
* ما هي مؤاخذاتك على التيار «المتشدد» في السعودية، (قلت إنك تتعرض لأذاهم)؟
ـ مؤاخذاتي على هذا التيار ضحالة فقههم الشرعي واتهام النيات والنظر إلى الأمور بسطحية، وافتقار أفراده لمنهج التراحم بين الأمة، وذلك عدم إعذار المخالف من أهل الإسلام الذي يخالف خلافا سائغا.
* هل ترى أن فتوى الشيخ عبد الرحمن البراك التي ذكر فيها أن «مستبيح الاختلاط مرتد»، فتوى متشددة؟
ـ لم أسمعها من الشيخ البراك ولم أتصل به بل حتى لم أقرأها وإنما سمعت عنها ويظهر لي أن الإعلام أخذ العنوان ولم يأخذ التفاصيل ولم يأخذ الإيضاح الذي جاء بعد ذلك، فهو في الفتوى والإيضاح، نص على الاختلاط المحرم، إن كان ما تحدث عنه الشيخ من استحلال المحرم قطعي الحرمة فسيوافقه العلماء في ذلك، وإن كان ما تحدث عنه من المسائل الخلافية هل هو محرم أو غير ذلك فالفتوى في غير محلها. وبصراحة كنت أتمنى أن الفتوى لم تصدر من الشيخ بهذه الصورة، وبهذه الكيفية، وبخاصة في ظل التوظيف الإعلامي المتربص.
* أين ترى نفسك أقرب للشيخ محمد الغزالي الذي حارب الفتاوى المتشددة ضد المرأة والموسيقى أم للشيخ عبد الرحمن البراك الذي صدرت له فتوى وصفت بالمتشددة مؤخرا؟
ـ أرى نفسي في منطقة وسط بين الطرفين مع احترامي وحبي للشيخين، فأنا مزيج من الشيخين والمدرستين وغيرهما.
* هل ترى أن هناك قصورا في كتابة تاريخ «الصحوة» الإسلامية وأنت أحد أبرز رموزها في السعودية؟ هل هو خوف من الجماهير أم من الحكومة؟
- لا يمكن كتابة تاريخ الأحداث الكبرى في حياة الأمم والشعوب إلا بعد فترة من الزمن، نحن ما زلنا نعيش مرحلة الصحوة وتفاعلاتها، ربما يكتب عن بداياتها، ما زال أمامنا وقت حتى تنضج التجربة وتكتب بإنصاف، وهناك بعض البدايات مثل كتاب عبد العزيز الخضر. أما الخوف فلا أرى مبررا له، إذا كان من الحكومة فلأن الصحوة ترى أنها هي والحكومة تمثلان مشروعا واحدا، وتنطلقان من مرجعية واحدة وتتحركان في إطار واحد، وكما في المشاريع الكبرى والتيارات الكبرى تحدث اختلافات في التفاصيل، أما الجماهير فلها سطوة، لكن العاقل لا تهمه الجماهير فليس من الإنصاف أننا نرفض الخضوع للحكومات والأنظمة إذا أخطأت ثم نخضع لأهواء الجماهير. كما يجب أن تراعى المصالح الشرعية عند الحديث مع الحكومات أو مع الجماهير، وألا يقفز الإنسان في الهواء، أو المجهول، لكن يجب في النهاية، أن الرائد لا يكذب أهله.
* عندما وقعت الحرب على غزة ناديت باستهداف المصالح الإسرائيلية في العالم.. ما الفرق بين ما دعوت له وما تنادي به «القاعدة»؟
ـ الذين أخذوا كلامي أخذوه مجتزءا، ولو أخذوه كاملا لم يكن هناك أي إشكال، لأنه كان مفصلا، أنا قلت استهداف المصالح الإسرائيلية، كل مصلحة في سياقها بما يناسبها، وقلت حينها في الميادين العسكرية نواجههم عسكريا، في الميادين الاقتصادية نقاطعهم اقتصاديا وفي الإعلام نفضح جرائمهم، وعلى المستوى الثقافي نتواصل مع مثقفي العالم وأحراره، فجاء الإعلام المضلل مرة أخرى وأخذ العنوان وقال إن عوض القرني يدعو إلى القتل والتفجير. وقالوا إنني أدعو لذلك ضد اليهود، وأنا لم أتحدث عن اليهود وإنما عن الإسرائيليين، بل حماس التي ناصرناها لا ترى مصلحة للشعب الفلسطيني في نقل المعركة العسكرية إلى خارج فلسطين، والإعلام المضلل الذي يصطاد في الماء العكر كذب علي، وشرف لي أن أقف ضد هذا الإعلام الذي انبرى للدفاع عن إسرائيل وتبرير جرائمها. أما «القاعدة» فقد حولت شوارع الرياض لتل أبيب ولعكا.. إلى ميادين قتال.
* نشرت إحدى الصحف المصرية بعد انتهاء الحرب على غزة بأنك أحد القيادات الدولية للإخوان المسلمين وأنك المسؤول الدولي للجماعة في السعودية، فما ردك على ذلك؟
ـ ردي على ذلك أنني قلت إن الأجهزة الأمنية المصرية أوردت اسمي ضمن قوائم قيادات الإخوان لأنني قلت إن الموساد والشاباك تلاحق المناصرين والمتعاطفين مع الشعب الفلسطيني في المنطقة العربية وأن بعض الأجهزة الأمنية العربية تضيق الخناق على المناصرين والمتعاطفين مع الشعب الفلسطيني في مواجهته للظلم والعدوان الإسرائيلي.
* لماذا أحيلت أوراقك إلى محكمة أمن الدولة في مصر؟ هل يعقل أن الحكومة المصرية أحالت قضيتك إلى محكمة أمن الدولة دون أدلة كافية؟
ـ دعني أذكر لك بعض ما نشرته وسائل الإعلام عن التهمة وتستشف الإجابة، في البداية قالوا إن التهمة دعم حماس ثم عادوا فقالوا إن التهمة غسل أموال، ثم قالوا أخيرا إن التهمة دعم جماعة محظورة في مصر، قبل بضعة أشهر عندما قالوا التنظيم الدولي خرجت التهمة باسم عايض بن محمد، وتقديري أن الإيعاز والطلب جاء من خارج مصر جاء باسم عوض بن محمد لأن بعض وسائل الإعلام الأجنبية نشروا عوض بن محمد لكن المسؤول في الأجهزة الأمنية المصرية يعرف عايض ولا يعرف عوض، فظن أنه خطأ فشطب عوض ووضع عايض، وعندما خرجت لوسائل الإعلام اكتشفوا أنه لا يوجد عايض بن محمد وإنما عايض بن عبد الله، فراجعوا المصدر فعدلوها، بعدها بأسبوعين أعلنوا سقوط التهمة لعدم وجود الأدلة. عادت التهمة بالتخبطات ذاتها وقيل أيضا في صحيفة الادعاء إنني في بريطانيا وجمعت من خلال عدد من المؤتمرات والمراكز الإسلامية نحو 6.5 مليون جنيه إسترليني أي ما يعادل 40 مليون ريال، وحولتها إلى مصر تحت لافتة الاستثمار والغرض منها التمويل، هل تعلم أنني لم أدخل بريطانيا في حياتي وأتحدى جميع أجهزة الحكومة المصرية أن تثبت أنني حولت هللة واحدة إلى مصر بأي عملة ومن أي بلد، وللعلم ثلاثة من الذين ذكروا معي في التهمة لم أسمع بهم في حياتي والخمسة كلهم لم ألتق بهم ولم أتحدث معهم لا من قريب ولا من بعيد، أنا أضع هذه المعلومات بين أيدي القراء للحكم عليها. أقول عندما تأتي التهمة من جهة ويوكل التنفيذ إلى ممثلين قليلي الموهبة تكون النتيجة مضحكة هكذا، كان يمكن أن يرسم سيناريو من الكذب والافتراء أكثر إقناعا للناس.