عندما ينظر الإنسان في هذه الحياة يجد بأن فيها عبراً وعظات يجب التوقف عندها وأخذ العبرة منها وخاصة أن المولى سبحانه وتعالى قد أمرنا بالتفكر والتأمل في هذه الدنيا وما خلقه الله تعالى فيها لأن ذلك يوصلنا إلى معرفته عز وجل فالحق سبحانه وتعالى تعرف إلينا بمخلوقاته وبديع مصنوعاته وحثنا على حسن النظر والتفكر لتتجلى لنا هذه المعرفة قال تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق).
وبما أننا نخاطب فئة كبيرة من الشباب فإننا نحث أنفسنا وإياهم على التفكر والتدبر والتأمل في آيات الكتاب العزيز ، ولنأخذ آيةً ذكر فيها المولى سبحانه وتعالى الدنيا ووصفها بصفات يجب التوقف عندها فقال تعالى : ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ) فهذا الوصف الجلي والدقيق لهذه الدنيا يبرز لنا بوضوح وخاصة في الازمان المتأخرة التي ظهرت فيها مفاهيم تلك الأوصاف في أعلى مستوياتها أنها من الحياة الدنيا وقوله تعالى في الآية ( إنما ) تدل على الحصر أي أن الحياة الدنيا هي التي وصفت بتلك الأوصاف المذكورة في الآية الكريمة ويقابل الحياة الدنيا حياة ٌ بمفهوم آخر وأوصاف أخرى وهي الحياة العليا التي مفهومها ومبناها ومعناها وحقيقتها قائمة على أسس وأوصاف ثلاثة وهي الذكر والفكر والشكر.
وإذا نظرنا إلى الآية الكريمة وجدنا أن الحق سبحانه قدم في الذكر ( اللعب ) وهذا لأن أكثر انشغال الناس به وقد توسعت دائرته في هذه الأزمان المتأخرة حتى وصلت بنا الحالة إلى التنوع في مفهوم اللعب وتعددت وسائله وأنواعه بدءاً بألعاب الأطفال وانتهاءً بما تسمى بمعشوقة العصر ( كرة القدم ) التي أخذت الحيز الأكبر في حياة الشعوب لأنها أكثر انتشاراً سواءً على مستوى اللعب أو المشاهدة وتتبعها بقية الألعاب ، ولست هنا بصدد التحدث عن الحكم الشرعي لهذا الألعاب ومع ذلك لا أمانع من اللعب أو المشاهدة بضوابط شرعية ، ولكنني أريد أن أضع فكرة وعبرة لكل من يشاهد أم لم يشاهد ولمن يلعب أم لم يلعب لنستفيد من كل ما نعمله أو نشاهده ، لأن ما نحن بصدده هو التفكر والتدبر في آيات الله تعالى وفي مخلوقاته وفي أفعال العباد في هذه الدنيا ، ومجال اللعب المذكور في الآية محل للتفكر والتدبر لأنه ما ذكر في القرآن شيءٌ إلا وأمرنا بالتدبر فيه لنستخرج العبرة والعظة منه قال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) فالقرآن يرشدنا إلى التدبر لنصل إلى الغاية المرجوة التي بعث من أجلها حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فعلينا معاشر الأمة وخاصة الشباب المستمتع برؤية المباريات وغيرها من أنواع اللعب أن نتفكر في هذه الألعاب وغيرها هل فيها من عبرة وعظة وفائدة أما لا.
وقد يتعجب البعض من كلامي ويقول هل في هذا المجال من عبرٍ وعظاتٍ فنرشد هذا القائل إلى قوله تعالى ( إنما هذه الحياة الدنيا ... إلخ ) ، فكيف نعرف أن الحياة فيها هذه الأوصاف إلا من خلال التفكر والتدبر والتأمل ، ونقول أليس اللعب من أفعال العباد وأفعالهم من خلق الله تعالى وخلقه عز وجل محل تفكير ؟ فهكذا نستخلص العبرة والفكرة ولأن ذلك كله داخلٌ في قوله تعالى ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) والرؤية فكرة والفكرة تأمل والتأمل حياة ، ولهذا ذكر الله التأمل في صفة الحياة ، وبيَّـن أنه الوصف السائد للحياة ، وقد رأيناه في زماننا وتجلت الصورة بتقديمه في الآية الكريمة فهل نعتبر ونتذكر ؟ قال تعالى ( ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدكر ) والله الموفق والمعين.
بقلم : الشيخ رضوان الدثني