في مارس الماضي أضرب أطباء وفنيون وعاملون في العيادات الخارجية وقسم الطوارئ في المستشفى العام لمدينة سيئون لعدة أيام مطالبين الجهات المسئولة بتوفير حماية أمنية على إثر إشاعات انتشرت بأنه سيتم اقتحام المستشفى من قبل مسلحين لأخذ بعض الجثث المجهولة الهوية الموجودة في ثلاجة المستشفى منذ فترة.
وقد أثارت هذه الإشاعات الهلع والرعب بين صفوف العاملين في المستشفى بأقسامها المختلفة وأخذت إدارة المستشفى احتياطات مشددة وإغلاق البوابات أمام الزوار والمرضى، وقد انتشر الخبر بشكل واسع بين صفوف المواطنين في مدينة سيئون، وأصبح الموضوع حديث الناس في كل بيت، كما تعذر استقبال الحالات الحرجة والطارئة، مما دفع بالمواطنين نقل مرضاهم إلى المستوصفات الخاصة لتلقي العلاج..
تصوروا حالة القلق التي انتابت المواطن في هذه المدينة، وفي غيرها من مدن وقرى وادي حضرموت للأهمية الكبيرة التي تمثلها هذه المستشفى التي يفد إليها المرضى من عدة مناطق.. ويأتي انسحاب الحراسات الأمنية من المستشفى ومن غيرها من المؤسسات الحكومية من الأخطاء التي تم ارتكابها أثناء الهبة العشبية في ظل الفلتان الأمني الذي تعيشه المحافظة والذي دفع المواطن ثمن ذلك.
من حق العاملين في المستشفى وفي غيرها من مؤسسات الدولة، بل ومن حق كل مواطن أن يطلبوا الأمن، فبدون شعور الإنسان بالأمن والأمان فلا قيمة للحياة وللعمل، فالأمن هو من الأولويات الأساسية التي يجب على الدولة الحرص على توفيره لكل مواطن في هذه المحافظة، فبقاء الانفلات الأمني وانتشار السلاح والتجوال به حتى في المستشفيات التي من المفروض أن تكون لها حرمتها الخاصة وانتشار الفوضى والبلطجة والقتل في ظل غياب للدولة وهيبتها والإجراءات الحاسمة لردع مثل هذه الأعمال والذين يقومون بها يجعل المواطن في حيرة من أمره ويتساءل : إلى متى ستظل هذه الحالة؟! انتهى مؤتمر الحوار الوطني، وتم إعلان تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم، والأوضاع الأمنية على حالها!! صحيح أنه لوحظ خلال شهر فبراير والنصف الأول من مارس انحسار نوع ماً لأعمال القتل، واختفاء الطيارات بدون طيار واستهدافها للضحايا وكذا فشل محاولتي اغتيال قائد القاعدة الإدارية بسيئون والقاضي عدنان الحامد، وهذا لا يعني أن هناك تحسناً في الوضع الأمني، بل يعود ذلك إلى حرص الناس ويقظتهم ولاسيما وأن المواطنين في مدينة سيئون قد تمكنوا من إلقاء القبض على أحد المتهمين بمحاولة اغتيال القاضي الحامد الآثمة.. وهذا شيء إيجابي جداً، بعكس حالات الاغتيال السابقة التي شهدتها مدينة سيئون، كان موقف المواطنين سلبياً للغاية.
لقد أثارت محاولة اغتيال القاضي جدلاً واسعاً بين صفوف المواطنين وغضباً شعبياً وخاصة وأن المذكور ليس له انتماء سياسي وغير محسوب على أية جهة سياسية كانت، وقد حاولت بعض الجهات السياسية توظيف هذه الحادثة لأهداف سياسية خاصة بها، إعلام النظام السابق ربط الحادثة بالحراك السلمي الجنوبي مستغلاً نشاط المتهم في صفوف الحراك وظهوره المستمر في قناة (عدن لايف)، والحراك الجنوبي بدوره ربط الحادثة بما يجري من صراع في الجنوب وتصفيات للكادر الأمني والعسكري الجنوبي من خلال سلسة الاغتيالات التي شهدها ويشهدها الجنوب، وهناك من يرى بأن القضية لها علاقة بعمل القاضي نفسه.. المهم بشكل عام فالحاثة لقيت إدانة واسعة من قبل المواطنين، وتعاطفاً كبيراً مع القاضي عدنان الذي تحول بيته إلى مزار للعديد من الشخصيات والمواطنين لإعلان تعاطفهم وتضامنهم معه وإدانتهم الشديدة لهذه الحادثة الإجرامية، كما أبدى كثير من المواطنين خوفهم وقلقهم من أن يكون مصير هذه الحادثة مثل الحالات السابقة من النسيان والغموض.
لقد تفاءل المواطنون خيراً بتقلص أعمال القتل والفوضى في حضرموت في شهر فبراير والنصف الأول من مارس، حيث لم نسمع مثل تلك الحالات، وتمنينا أن أولئك الذين يمارسون لعبة القتل قد كفوا عن ممارستها، ولكن الجميع مجمع بقتل العشرات من الجنود في المحافظة، وبحادثة القتل البشعة التي حصلت في قلب سوق مدينة سيئون نهاراً جهاراً.. فهذه الحوادث تؤكد لنا بأن هناك أيادي خفية تلعب بأمن حضرموت، لا تريد لهذه المحافظة أن تعيش آمنة مستقرة، بل تريد لها العودة إلى حروب الثأر التي نبذها الجنوبيون منذ عشرات السنين.
وهنا ندعو الحكماء والعقال والمشائخ إلى عدم الانجرار لما يخطط في الخفاء ضد هذه المحافظة من مشاريع مشبوهة، وعدم ترك الأمور للشباب المتهورين، فالدم يجر الدم، حتى لا تغرق المحافظة –لا سمح الله- في المجهول، وتسيل الدماء، ويقتل الأخ أخاه، والجار جاره؛ لأسباب تافهة، وحينها لا ينفع الندم.
بقلم / أ. فرج طاحس