حضرموت اليوم
/ القطن / مرعي حميد
في فبراير تمر بنا ذكرى استشهاد الإمام حسن البنّا مؤسس جماعة الإخوان
المسلمين ، كان البنّا فريداً في إيمانه العميق بربه ، وطموحه وهمته و ذكائه وفكره
والتوفيق الذي انعم الله به عليه وعلى الأمة الإسلامية التي مثل لها رائد التغيير
المنشود .
لقد خسرت امتنا برحيله ، مغتالاً على أيدي الشر والفساد في الأرض في 12
فبراير 1949 م ، قامة فذة كان لها بفضل الله عز وجل وتوفيقه شرف تربية جيل إسلامي
جديد و وضع أسس فكر إسلامي وسطي و تأسيس كبرى الجماعات الإسلامية العاملة في
الساحة .
لقد
امتازت تلك الجماعة المباركة عن ما سواها من الجماعات الإسلامية السابقة لها
تأسيساً ، و اللاحقة ، بالميزات الثلاث الآتية :
أولاً : أخذها الإسلام
بشموله فكراً وممارسة :
فالإسلام جاء لينظم حياة الناس في كل مجالات حياتهم : إعتقادية ، سياسية ،
اقتصادية ، عسكرية ، تعليمية ، اجتماعية ، و حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة لم يقل لأبي بكر الصديق أو غيره من الصحاب ان يتولوا شؤون إدارة
الدولة ويتفرغ هو لتلقي الوحي وتعليم الناس أمور دينهم ، بل كان صلى الله عليه وسلم
هو زعيم الدولة في الوقت الذي يتلقى الوحي ويعلم الناس أمور دينهم . وقد جاءت فكرة
الفصل بين الدين والسياسة من خارج حدودنا ، من أوروبا التي عانت الأمرين من رجال
الدين المسيحي الذي تم تحريفه وأصبح حرباً على البحث العلمي والتطور المعرفي فما
كان من رموز التطوير والتحديث إلا ان عزلوا الكنيسة عن أمور الدين كواحد من نتائج
النهضة الأوروبية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ، بينما الإسلام هو دين العلم
وهو الدين الذي تكفل الله بحفظه من أي تبديل أو تحريف . و جماعة الإخوان المسلمين
مثلما آمنت بشمولية الإسلام فكراً فقد آمنت به ممارسة ، فالإخوان كانت لهم ولا
تزال ـ ومنذ أيام الإمام المؤسس ـ إسهامات ومحاولات للإسهام في مجال نشر العلم
الشرعي عبر علمائهم وفقهائهم وفي المقدمة منهم الشيخ سيد سابق مؤلف كتاب فقه السنة
، و الشيخ محمد الغزالي والشيخ عبدالفتاح أبوغدة والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
صاحب أكثر من مئة مُصنف في شتى علوم الشريعة وفنونها والشيخ عبد المجيد الزنداني مؤسس ورئيس جامعة
الإيمان اليمنية والشيخ محمد احمد الراشد والشيخ راشد الغنوشي و للأستاذ سيد قطب
كتابه الموسوعة [في ظلال القران ]، وما أكثر ما قدمه علماء الإخوان من كتب إلى
المكتبة الإسلامية فهي زاخرة بإنتاجهم العلمي والدعوي والتربوي والسياسي
والاقتصادي الفذ ، وحين سُئل الإمام البناء : لماذا لا تؤلف الكتب ؟ ، أجاب : أنا
أؤلف الرجال الذين يؤلفون الكتب .
والى جانب الكتب هناك الصروح العلمية كالجامعات والكليات والمعاهد و
المدارس والحلقات القرآنية . وفي مجال العمل السياسي شارك الإخوان في مصر ودول
أخرى في المواسم الانتخابية و كانت لهم بصماتهم الواضحة في الحياة السياسية و في
أحيان شاركوا في الحكومات الوطنية في أقطارهم كاليمن والسودان والجزائر وفلسطين . وفي
مجال التربية الروحية كان اهتمام الإخوان متواصلاً بالترقي بأفرادهم في مدارج
العبودية لله عز وجل ويتبين ذلك من نشاطاتهم التي تستهدف هذا الجانب كالإعتكافات و
المبيتات وزيارات المقابر و المواظبة على أذكار الصباح والمساء والورد القرآني
اليومي وصيام التطوع ، وفي مجال العمل الخيري الإنساني لا يجادل منصف في الدور
الكبير للإخوان أينما حلوا في هذا الجانب ، وفي المجال العمل الجهادي شهدت فلسطين
ولا تزال بطولات الإخوان الفذه : الشيخ احمد ياسين ، عبدالعزيز الرنتيسي ومحمود صيام
و صلاح شحاذة و في أفغانستان برز في الجهاد ضد الاحتلال الروسي وهناك التمعت قائمة
جهادية كبرى هي الشيخ عبدالله عزام ،
وشهدت قناة السويس جهاد الإخوان ضد الاحتلال البريطاني في ( حرب الاستنزاف ) ، و
في مجال التبليغ لم يدخر الإخوان جهداً
لتبليغ دعوة الله إلى الناس بالحكمة والموعظة الحسنة و الجدل بالتي هي أحسن ، وفي
كل مجال للإخوان سهم ونصيب
ثانياً : اعتمادها فكرة
التنظيم الحركي :
جاء الإمام البناء بفكرة التنظيم الحركي الذي يضم بين جوانحه شباب الدعوة
وقياداتها و يؤطرهم بما يضمن استيعاب اكبر وامتن لطاقاتهم و قدراتهم ، لقد شهد
العالم الإسلامي من قبل الإمام البناء مشايخ و مفكرين إسلاميين كبار مثل رشيد رضا
و محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ولكن فكرهم سرعان ما يذبل وينزوي ، أما البناء
فقد جاء بفكرة التنظيم الإسلامي الذي يحفظ على الفكرة حية مُحيية ولو توارى صاحبها
الأول ، تؤتي أكلها كل يوم بإذن ربها وتوفيقه وتأييده رغم المحاولات من خصوم
الدعوة و أعدائها لوأدها و القضاء عليها سواء في مصر أو تونس أو سوريا أو قطاع غزة
وغيرها .
ثالثاُ : المرحلية
والتدرج في الخطوات :
واحدة من ابرز صفات جماعة وفكرة الإخوان المسلمين التي ميزتها ، والتدرج له
مراحل ومستويات متعددة منها المتعلق بأولويات التغيير المجتمعي : تكوين الفرد
المسلم و الأسرة المسلمة والمجتمع
الإسلامي والخلافة الراشدة ، ومن مستويات التدرج ، التدرج في انجاز مشروع التغيير
المنشود الذي يوفر للأمة شروط مجدها و عزتها و أمنها و استرداد كرامتها ، وذلك صدى
للحديث النبوي (( ان المنبت لا ارض قطع ولا ظهر أبقى )) فالعجلة دائماً مآلها
الفشل والندامة وفي التأني النجاح والسعادة ، وقد قيل (( من استعجل شيء قبل أوانه
عوقب بحرمانه )) ، و أثبتت التجارب أنّ سياسة حرق المراحل مصيرها الفشل وضياع
الجهود والطاقات
انتشر فكر الإخوان من مصر أم الدنيا إلى
أنحاء الدنيا عبر أربعة معابر ، وفكر الإخوان اليوم ومدرسة الإخوان
المسلمين تنتشر اليوم في نحو ثمانين دولة في العالم ، والمعابر الأربعة هي :
1ـ إرسال الدعاة من مصر إلى خارجها مثلما أرسل الإمام البناء
الأستاذ الفضيل الورتلاني إلى اليمن مطلع أربعينيات القرن المنصرم وكان له تأثير
بالغ في قيام أول ثورة ضد الاستبداد الأمامي هي الثورة الدستورية في فبراير من عام
1948م ولكنها فشلت لضعف الوعي الشعبي بها وبأهدافها وبالظرف الذي نشأت فيه .
2ـ إخراج قادة الإخوان ورموزهم من مصر من قبل
الأنظمة التي توالت الحكم في مصر .
3ـ
الكتب التي ألفها الإخوان المسلمين
وانتشرت في بقاع العالم ومنها رسائل
الإمام الشهيد حسن البناء .
4 ـ الطلبة الوافدين إلى مصر من مختلف
الأقطار العربية والإسلامية وسواها للدراسة بجامعاتها و معاهدها .