المسلم يقف عند كل دليل شرعي ويتمعنه خصوصاً إذا كان ذلك الدليل صحيحاً ولا لبس فيه ، فيقدم النص القرآني والنص النبوي الصريحين على غيرهما من استنباطات البشر الوهمية ، فبعض الناس في صلاة الغائب على الميت قدم استنباطات ذهنية عقلية وترك النص الصريح في جواز هذه الصلاة المشروعة التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نعى النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه وصلى بهم بالمصلى ، فكبر عليه أربعاً)، فأين نذهب بهذا الحديث الواضح والجلي إذ لا يوجد هناك نسخ؟
وكل المبررات العقلية هي مجرد وهم عقلي وذهني قدم على النص الجلي ، فبعضهم يقول: النجاشي لم يصلي عليه أحد في الحبشة ، ولذلك صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا بعيد أن لا يصلي عليه أحد كما هو بعيد أن لا يسلم أحد من حاشيته وقدم أسلم الملك ، وقد عرف في تاريخنا الإسلامي أن شيخ القبيلة يسلم فتسلم معه القبيلة ، فمن باب أولى حينما يسلم الملك ، فيسلم هناك جمع من الناس وأكيد صلوا عليه وقد ذكر هذا الإمام ابن قدامه في المغني 2/ 354: (فإن قيل لم يوجد بالحبشة من يصلي عليه... هذا بعيد لأن النجاشي كان ملك الحبشة وقد أظهر إسلامه فيبعد أنه لم يوافقه أحد يصلي عليه).. وبعضهم من يقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زويت له الأرض فأري الجنازة وهذا القول محض قول عقلي وليس فيه نص ، يؤكد هذا الإمام ابن قدامه في المغني 2/354: (فإن قيل فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم زويت له الأرض فأري الجنازة ، قلنا لم ينقل ذلك ولو كان لأخبر به ، ولنا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يثبت ما يقتضي اختصاصه).
فينبغي علينا عدم التجاسر في القول بالمسائل الشرعية دون علم ولا دراية ثم نقع في فخ الخطأ والقول على الله لا علم ولا دراية ، فلنتق الله ، ولنلتزم بشرعه ، ولنأخذ العلم من الكتاب والسنة دون أن نقدم استنباطات البشر عليهما.. ولعل من الخطأ الفادح الذي ارتكبه بعضنا حينما قدم أقوال البشر في صلاة الغائب ، فلم يجزها بل حاربها وبدعها دون علم ولا دراية ، فنحا النص الصريح ، وقدم أوهام استنباطاته الباطلة كما بسطنا المسألة آنفاً، قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)..
الشيخ : محمد سالم هبيص