إن المراحل كما تبرز لنا أحداثا وتغيرات ومفاهيم ورؤى ، تبرز لنا أيضا أسئلة واستفسارات وخاصة ممن يحملون للناس موازين غريبة وعجيبة ما أنزل الله بها من سلطان وكل همِّهم في طرح الأسئلة هو تحديد نوعية الفكرة التي يتبناها الشخص المجيب.
والأسئلة المطروحة ليست علمية أو أدبية وإنما هي أسئلة من نوع خاص يفرزها الصراع الدائر بين أطراف متباينة في المجتمعات عبر المراحل المتعاقبة وخاصة ممن يحمل منهجي الإفراط أو التفريط ، وهذه الأسئلة نسمعها بكثرة ممن وصفهم من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم " هيشات الأسواق الذين يتبعون كل ناعق " ، والنواعق هي جهات الصراع التي تصيغ الأسئلة عبر المراحل لتشغل بها عامة الناس وتحرج بها خاصتهم.
ومن تلك الأسئلة السؤال الشائع في هذه الأزمان أزمان التكتل والتحزب وهو " مع من أنت ؟ " أو "أنت معنا أم ضدنا " وهذا السؤال المطروح نسمعه كثيراً ومن العجيب الغريب أن السائل نفسه قد لا يعرف حقيقة الفكرة التي يحملها من وضع له ذلك السؤال ولايعرف الرؤية التي يتبناها وحقيقة الجهة التي ينتمي إليها ومع ذلك يريد منك إجابة وهذه الإجابة إما أن تكون موافقة لما يريد فيفرح بسماعها ويعجب بها وبك وتسمع منه مدحاً وشكراً ، وإما أن لا تكون كذلك فانتظر منه ما لا تحمد عقباه من السب والشتم والقذف وغير ذلك ، بل قد يصل به الأمر إلى أن يرميك بالابتداع أو الخيانة أو حتى بالشرك والعياذ بالله وكأنه لم يقرأ قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنَّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولاتنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ).
وهذه الأسئلة وأشباهها تطرح من أجل الزج بالأمة في الصراع والنزاع لأن كلا من طرفي الإفراط والتفريط لديه أسئلة مطروحة في الساحة فإذا أّعجَبَ جوابك طرفاً فقد أزعج الآخر وهكذا حتى تدخل معهم في الصراع والنزاع الذي لا يعجب إلا الشيطان وأعوانه والدجال وأتباعه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فعلينا معاشر المسلمين أن نعي أن هناك حقيقة مغيـَّبة أراد حملة الأقلام ورجال الإعلام ومهندسو الصراع في أمة الإسلام أن يخفوها من خلال تفخيخ الأمة بأسئلة تحمل في طياتها منهجية إبليس والدجال القائمة على الصراع والنزاع والسب والشتم وهذه الحقيقة المراد إخفاءها هي أن أمة الإسلام أمة واحدة وإن اختلفت الآراء والأفكار، وأن لهذه الأمة قواسم مشتركة كفيلة بأن تجتمع الأمة عليها.
وهذه الحقيقة أيضاً قائمة على الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي التي هي منهجية المصطفى صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأطهار وصحابته السابقين الأبرار ومن سار على هديهم المشار إليه في مقولة للإمام علي كرم الله وجهه ( عليكم بالنمط الأوسط يتبعهم التالي ويرجع إليهم الغالي ) وأهل النمط الأوسط هم أهل منهج السلامة القائم على مبدأ "حفظ اللسان من الذم واليد من الدم" وهو حقيقة منهج الإسلام.
أما ما نشهده اليوم في الساحة الإسلامية فتدهور وتهور إلا من رحم الله وهم قليل من قليل ، قال صلى الله عليه وآله وسلم ( بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ) اللهم اجعلنا منهم والله الموفق لما يحبه ويرضاه.
بقلم الشيخ : رضوان شيخ الدثني