هل يكون انفصال الجنوب النهاية؟

حضرموت اليوم / بقلم : عبد الله الأشعل

التاسع من يوليو/تموز 2011 هو يوم الإعلان عن ظهور دولة جنوب السودان ولهذا الحدث معان متنوعة، لكن في كل الأحوال فإن هذا الحدث سيظل علامة فارقة في تاريخ العالم العربي والسودان.

فهو أول تقسيم لدولة عربية بعد فلسطين وإن كان التقسيم بين سكان السودان أنفسهم، كما أنه قد يكون مقدمة لتقسيمات جديدة لتفتيت العالم العربي حتى لا يقوى على الوقوف مرة أخرى في وجه المشروع الصهيوني.

بلغت قوة هذا المشروع الصهيوني أن استأنس مصر وتمكن منها ومن بقية الجسد العربي بما في ذلك السودان، ولذلك فإن إعلان استقلال الجنوب عن الوطن السوداني قد نظر إليه حسب الطرف الذي تربطه علاقة بهذا الموضوع.

فقد نظرت الحكومة السودانية في الخرطوم إلى انفصال الجنوب، خاصة في ضوء أنها المرة الأولى التي تنقسم فيها دولة في العالم العربي، وثاني دولة بعد إريتريا عن إثيوبيا مع الفارق القانوني والتاريخي العظيم بين الحالتين.

وفي ضوء فقدان السودان لجزء هام من جسده الاجتماعي والاقتصادي، نظرت الخرطوم إلى هذا الحدث الجلل نظرتين مختلفين، من الناحية النفسية شعرت الخرطوم أن من سوء حظ الحكومة الحالية أن ينقسم السودان مما يلحق بها في التاريخ، مهما كانت الظروف، على أنها الحكومة التي اتهمتها المعارضة بتفضيل السلطة على وحدة السودان.

يلحق بهذا الجانب شعور فريق من السودانيين في الشمال بأن استمرار الحرب مع الجنوب أرهق السودان واستنزف طاقته وأن انفصال الجنوب خاصة إذا أدى إلى وقف الحرب سيكون تخلصاً من عبء كبير، ولكن تخلص من أحد أطرافه التي لا يرجى برؤها بل وأن تركها يلحق الأذى ببقية الجسد.

من ناحية خارجية رسمية تنظر الخرطوم إلى الحدث على أنه وفاء منها بالتزام مع الجنوب بحق تقرير المصير، وأن الاستفتاء كان حاسماً في اختيارهم للانفصال. ولكن الخرطوم تشعر من ناحية ثالثة بأن ذيول الانفصال لن تنتهي وأن التوتر مع الانفصال أعلى كلفة وإرهاقاً من الحرب معه في إطار الدولة الواحدة، خاصة إذا ساعد الجنوب بقية المناطق المتوترة في السودان وشجعها على الانفصال وأولها دارفور.

ومعروف موقف الجنوب من متمردي دارفور حتى عندما كان رئيس الجنوب هو النائب الأول للبشير وجزءاً من القرار السوداني، وبصفة أخص في أزمة اتهام البشير من جانب المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب عدد من الجرائم في دارفور، وكان رأى الجنوب أنه صحيح وأنه يجب أن يحاكم أمام المحكمة الدولية، كما اعترف بأنه يساند متمردي دارفور لكي ينفصل عن السودان مثلما فعل الجنوب.

الخرطوم ترى الجنوب الذي لا يريد استمرار علاقته القديمة مع الشمال حقاً للجنوبيين بصرف النظر عن الجراح والإحباط

بعبارة أخرى، فإن الخرطوم ترى الجنوب الذي لا يريد استمرار علاقته القديمة مع الشمال في إطار السودان الواحد حقاً للجنوبيين بصرف النظر عن الجراح والإحباط عند السودانيين وشعورهم في النهاية بالمؤامرة.

وقد تشعر الخرطوم أن مواقفها المؤيدة للحقوق الفلسطينية دفعت جزءاً من ثمنها بفصل الجنوب بدعم واضح من إسرائيل، بل يشعر العالم العربي بهزيمته المتكررة أمام المشروع الصهيوني بعد أن حقق المشروع نجاحاً ملحوظاً في شق الصف الفلسطيني وإضعاف العالم العربي وشق وحدته واحتلال إرادة مصر أكبر دوله التي قادت الدول العربية نحو التطبيع معه، وتآمر نظامها مع إسرائيل ضد كل المصالح المصرية، وساعدت مصر على فصل الجنوب والكيد لحكومة الخرطوم، وهى تدرك جيداً أن هذه الخطوة ضد مصالحها، بعد أن انفصل النظام في مصر عن الوطن.

أما موقف مصر، فقد راهن نظامها شكلياً على صداقة مبكرة مع الجنوب، ولكن الجنوب يعلم أن هذه الصداقة تدخل في سياق العلاقات والإملاءات الأميركية على نظام مبارك بعد أن سدد بوصلته ضد مصالح وطنه وضد مشاعر الشعب المصري وتوجهاته.

أما العالم العربي، فقد يشعر بالضيق لأن إحدى دوله لأول مرة منذ سايكس بيكو تدخل مرحلة التفتيت، ويتصدى للمشروع هذه المرة ليس الاستعمار الغربي وحده وإنما المشروع الصهيوني أيضاً.

والغريب أن الاستثمار العربي فقد شعوره السياسي بالعروبة ورحم الله أياما كان العمال العرب يضربون في الموانئ العربية عن التعاون مع ناقلات الدول المعادية للعرب، ولذلك فإن المستثمر العربي يبحث عن الربح بخلاف الاستثمار الإسرائيلي الذي يسعى إلى الاحتواء والهيمنة، ومستعد للتصدي بالقوة للشمال إن تصادم لأي سبب مع الجنوب.

 

وقد صرح بعض حسنى النية بأن أبواب الجامعة العربية مفتوحة لانضمام جنوب السودان، وربما يدرك أن لغته الرسمية هي الإنجليزية وأن انفصال الجنوب هو طلاق مع الإسلام والعروبة بعد أن صور نظام البشير بأنه عربي إسلامي يريد فرض هويته على جنوب له هويته المغايرة ولذلك استحالت العشرة بينهما.

ولذلك قد يفسر البشير الانفصال على أنه مؤامرة قديمة استغلت ظروفاً متغيرة واختارت أن تضع نظامه موضع الاختبار القاسي، ولا يستطيع أن يفلت مهما كان صغر حجم مسؤوليته من أن الجنوب انفصل في عهده، واتهم أن سياساته هي السبب، وقد اتهم بالفعل بأن تطبيق الشريعة الإسلامية هو السبب في فرار الجنوب بحثاً عن الحرية، وتلك كلها قضايا ستتم دراستها في الأعوام القادمة.

أما إسرائيل والولايات المتحدة، فقد اعتبرتا أن الانفصال والضغط على البشير بالمحكمة الجنائية وغيرها قمة نجاح المؤامرة التي تحقق الكثير وأن هذا النجاح يشجع على الاستمرار في خطة تفتيت العالم العربي والوقيعة بين العرب والأفارقة واتخاذ الجنوب منطلقاً لمحاربة السودان وتفتيته والإضرار بالمصالح العربية والمصرية.

وقد سبق لواشنطن أن بدأت المخطط وقدمت له الرعاية الكاملة من خلال اتفاق نيفاشا ومن خلف أصدقاء الإيغاد ومساعدة الجنوب على التأهل للانفصال بدلا من التعاون مع الشمال في شراكة الحكم.

وأما الأمم المتحدة فقد استندت في دعمها للجنوب إلى رضا الشمال واتفاق نيفاشا وإلى الرأي الاستشاري حول كوسوفو الصادر من محكمة العدل الدولية عام 2010 والذي جعل حق تقرير المصير يسمو على وحدة الدولة وبقائها، وهى قراءة خاطئة من جانب المحكمة لأحكام القانون الدولي في هذه اللحظة.

وأخيراً، سيظل انفصال الجنوب جزءاً من مؤامرة، ولكن العالم العربي يجب أن يبلور سياسة بناءة تجمع ولا تفرق وتحافظ على الكيان السوداني وأن يشجع الجنوب والشمال على فتح صفحة جديدة من التعاون المؤدي إلى فدرالية جديدة بدلاً من فتح باب الصراع الذي يرهق الجميع ويحرج العالم العربي، بعد أن أصبح الجنوب دولة لها تحالفاتها وأصدقاؤها.

 

المصدر: الجزيرة

                                   

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص