حضرموت اليوم / متابعات
خطفت اول انتخابات برلمانية تشهدها مصر بعد الاطاحة بالرئيس حسني مبارك الاضواء من اعتصام محتجين ونشطاء في ميدان التحرير بوسط القاهرة لمطالبة المجلس العسكري الحاكم بتسليم السلطة لمدنيين. لكن يبدو أن هذا لم يفت في عضد المعتصمين وعزمهم.
وبدأت يوم الاثنين المرحلة الاولى من انتخابات مجلس الشعب وتستمر حتى مساء يوم الثلاثاء في تسع محافظات بينها العاصمة القاهرة. وتجرى المرحلة الثالثة والاخيرة من انتخابات المجلس يومي العاشر والحادي عشر من يناير كانون الثاني.
وكان الاهتمام الاعلامي والشعبي منصبا في اغلبه على متابعة اعتصام ميدان التحرير وما تخلله من احداث عنف قبل نحو اسبوع من الانتخابات فيما اعاد اجواء الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بالرئيس حسني مبارك في فبراير شباط.
لكن العملية الانتخابية فرضت نفسها مرة أخرى من خلال اقبال واسع لا سابق له على المشاركة في التصويت من جميع الفئات العمرية من الجنسين. واتسم التصويت بالهدوء والسلمية واثار ردود فعل غربية مرحبة وقالت وزارة الخارجية الامريكية ان الانباء المبكرة بشأن الانتخابات المصرية "ايجابية الى حد بعيد".
وانصبت معظم احاديث المصريين في الشارع وعلى المقاهي وفي المواصلات العامة يومي الاثنين والثلاثاء على الانتخابات ولمن سيصوتون وكيف سيصوتون.
وغاب اعتصام التحرير والاحتجاجات المتواترة في المحافظات عن الصفحات الاولى في معظم الصحف المصرية يوم الثلاثاء سواء الرسمية او الخاصة او الحزبية. وبعض الصحف لم يرد فيها أي ذكر للميدان وحتى التي تناولته في اخبار هامشية بالصفحات الداخلية ركزت على نقطتين اساسيتين هما الانقسام داخل الميدان بشأن المشاركة في الانتخابات وبيان لوزارة الداخلية ينفي وجود نية لفض الاعتصام بالقوة بعد تردد شائعات عن عزمها استغلال انشغال المجتمع بالانتخابات لانهاء الاحتجاج.
وجاء العنوان الرئيسي لصحيفة الجمهورية الرسمية "الصامتون نطقوا .. مليونيات الصناديق خرجت لميلاد مصر الجديدة" بينما كان عنوان صحيفة الشروق المستقلة "الجماهير تقود الثورة الى البرلمان. مصر تستعيد صوتها". اما صحيفة الوفد صوت حزب الوفد الجديد فتركزت عناوينها على كشف المخالفات التي ارتكبتها الاحزاب المنافسة.
وتركزت كذلك التغطية التلفزيونية سواء في التلفزيون الرسمي او المحطات الفضائية على الانتخابات. وليلة الثلاثاء كانت الانتخابات وايجابياتها وسلبياتها هي المحور الرئيسي لحديث معظم مذيعي البرامج الحوارية المصرية.
وكانت التعليقات على موقعي الفيسبوك وتويتر للتواصل الاجتماعي في اغلبها عن الانتخابات. وحتى صفحة (كلنا خالد سعيد) على الفيسبوك والتي لعبت دورا كبيرا في ثورة يناير كانون الثاني ودعم ومساندة الاعتصام الحالي كانت اغلب التعليقات التي نشرت عليها يومي الاثنين والثلاثاء عن الانتخابات.
لكن هذا لم يؤثر في عزم الكثير من المحتجين في التحرير واصرارهم على مواصلة الاعتصام وهتف كثيرون منهم يوم الاثنين قائلين "اللي يسيبنا في الميدان بكرة (غدا) يبيعنا في البرلمان."
وردا على سؤال بشأن ما اذا كان نجاح العملية الانتخابية سيؤثر سلبا على الاعتصام ومطالبه قال أحمد ماهر القيادي بحركة (6 ابريل) الاحتجاجية والذي شارك في التصويت لرويترز "مفيش (لا توجد) علاقة. فيه ناس كتيرة راحت انتخبت ورجعت الميدان. الانتخابات قضية والتحرير قضية تانية (اخرى). في التحرير بنتكلم عن المجلس العسكري ونقل سلطاته لمجلس رئاسي أو حكومة انقاذ وطني أو ما شابه."
كما نفى ان تقلل الانتخابات الدعم الشعبي للاعتصام وقال "الكلام ده مش (ليس) حقيقي ومش هيكون بالقدر الكافي."
أما المحتج نور عثمان (32 عاما) من القاهرة فيرى أن الانتخابات قد تؤثر على دعم الميدان بحجة ان الشرعية اصبحت في يد ممثلين للشعب لكنه قال ان هذا لن يمنع المحتجين من مواصلة الاعتصام "لاننا زر الضغط الوحيد على المجلس العسكري" الذي يدير شؤون البلاد منذ الاطاحة بمبارك.
واستجاب المجلس العسكري جزئيا لمطالب المحتجين بالاعلان عن اجراء انتخابات الرئاسة قبل نهاية يونيو حزيران المقبل بعدما كان يتوقع ان تتم في 2013. كما قبل استقالة حكومة رئيس الوزراء عصام شرف لكنه اغضب اغلب المحتجين بتكليف كمال الجنزوري (78 عاما) بتشكيل حكومة جديدة. وشغل الجنزوري منصب رئيس الوزراء في عهد مبارك خلال الفترة من 1996 الى 1999.
وقال الصحفي والخبير الاعلامي ياسر عبد
العزيز ان "هناك مسارين سياسيين اساسيين في مصر اليوم احدهما يتعلق بالعملية
الانتخابية والاخر يتعلق بالازمة المعقدة بين الثورة والمجلس العسكري. سيتبادل المساران
التأثير. لكن حلحلة الازمة الراهنة تحتاج الى بذل جهد في المسارين على التوازي."
حتى في أحلك الظروف لا تكاد روح الفكاهة تفارق المصريين..
حين كانوا معتصمين بميدان التحرير طيلة 18 يوما انتهت بتنحي الرئيس حسني مبارك في 11 فبراير شباط الماضي امطروه بسيل من الرسوم الساخرة والنكات اللاذعة واللافتات التهكمية.. واليوم وهم يجنون ثمار ثورتهم في اول انتخابات برلمانية حرة لا يزالون ينتقدون الاوضاع بنظرة ساخرة.
وكما لعب موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي دورا حيويا في اندلاع الثورة المصرية استغله الشباب في نشر تعليقاتهم الساخرة عن الانتخابات.
وكتب محمد حسين "الانتخابات دي غير شرعية لان المرحوم جدي لاول مرة من سنين طويلة مبقاش عنده الحق في التصويت .. فين ايامك يا مبارك كنت بتراعي حتى الاموات" وذلك في اسقاط على الاتهامات التي كانت توجه الى الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم سابقا بزعامة مبارك بعدم شطب اسماء المتوفين من كشوف الناخبين واضافة أصواتهم الى مرشحي الحزب لتزوير الانتخابات.
وكتبت ايمان الشرقاوي تعليقا مشابها على فيسبوك ايضا قالت فيه "أول مرة أبويا الله يرحمه ما يطلعش من تربته (قبره) وينتخب .. أنا خايفة يكون جراله حاجة."
وألغي المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي تولى ادارة شؤون البلاد بعد مبارك نظام التصويت بالبطاقة الانتخابية وجعل التصويت في الانتخابات بالرقم القومي فقط. وفتح هذا النظام الجديد الباب أمام الملايين للمشاركة بسهولة في عملية الاقتراع وهو ما عكسته الصفوف الطويلة من الرجال والنساء على حد سواء التي اكتظت بها الطرق المؤدية لمراكز الاقتراع.
ورغم سعادة الجميع بالمشاركة الفعالة في التحول الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع دفع طول الوقت الذي استغرقه البعض للادلاء بصوته مروة عزت الى كتابة "طوابير طويلة جدا من الناخبين .. فين ايام المخلوع لما صوتي كان بيوصل وأنا قاعدة في البيت."
وفي تعليق اخر على شكوى من تأخر فتح بعض مراكز الاقتراع بسبب عدم وصول المواد الاساسية للعملية الانتخابية مثل أوراق التصويت والاقلام والحبر الفسفوري وتأخر بعض الموظفين عن الحضور لمراكز الاقتراع كتبت هند مختار "الشعب التزم والمسؤولين هما اللي ملتزموش."
واندلعت اشتباكات دامية الاسبوع الماضي حين حاولت قوات الامن فض اعتصام بميدان التحرير مما اسفر عن اشتباكات خلفت 42 قتيلا ومئات المصابين مما دفع بعض التيارات السياسية الى الدعوة لمقاطعة الانتخابات.
ولكن حتى هؤلاء الذين دعوا الى مقاطعة الانتخابات لم يستطيعوا منع انفسهم من المشاركة في الحدث التاريخي ولو بكتابة تعليقات ساخرة تنتقد بعض مظاهر التجربة الجديدة والتي كان من بينها تزايد عدد المرشحين بشكل كبير دفعهم الى اتخاذ رموز انتخابية لم تستخدم مثل (سخان المياه) و(القميص الرجالي) و(اشارة المرور) و(الموبايل).
وكتب أحدهم على صفحته بموقع فيسبوك "شهاب بسام .. رمز البيت" ووضع صورة منزل وذلك تعبيرا عن عدم الخروج للمشاركة بالعملية الانتخابية.
وبعد انتهاء اليوم الاول للانتخابات تبادلت التيارات الدينية والليبرالية الاتهامات باستمالة الناخبين بالرشاوى العينية مثل تقديم مواد تموينية وكروت شحن للهاتف المحمول الى جانب مبالغ نقدية مما جعل البعض يسخر من الطرفين قائلا "الناخب الشاطر هو اللي ياخد السكر والزيت من الاسلاميين وكروت الشحن من الليبراليين والفلوس من فلول الحزب الوطني والوعد بدخول الجنة من المتشددين ثم يعطي صوته لشباب الثورة."
وكتب نصري عصمت على حسابه الشخصي بموقع تويتر "اللي نازل الانتخابات بكيس سكر وازازة (زجاجة) زيت لازم يفضل يوفرهم بعد الانتخابات."
وتجرى انتخابات مجلس الشعب على ثلاث مراحل تنتهي في يناير كانون الثاني 2102 لتبدأ بعدها انتخابات مجلس الشورى على ثلاث مراحل ايضا تنتهي في مارس اذار وبعدهما انتخابات الرئاسة التي وعد المجلس الاعلى للقوات المسلحة باجرائها قبل 03 يونيو حزيران من العام القادم.
ولم يشهد اليوم الاول للاقتراع احداث عنف تذكر رغم الشكوى المستمرة منذ اندلاع الثورة من عدم الاستقرار الامني واشاد كثير ممن ادلوا باصواتهم بعملية تأمين لجان الانتخاب التي اشتركت فيها قوات الجيش والشرطة حتى أن أحد الشباب كتب على فيسبوك "بعد حالة الامن المستتب اليوم .. الشعب المصري يطالب بجعل كل أيامه انتخابات."
رويترز