وجاء العيد

بعد أن صام المسلمون وخرجوا من رمضان بأرواح لطيفة وشفافة ، طهروا أنفسهم وأرواحهم ، ها هم يقبلون على يوم العيد مهنّئين متودّدين ، يتزاوزون ويتسامحون ، ويمدون يد العون والمساعدة للفقراء والمساكين بالبر والعطاء.

    إنه يوم الجائزة ، فهم فرحون بإتمامهم لصوم رمضان وإعانة الله لهم عليه ، ويرجون منهى سبحانه أن يقبل منهم طاعاتهم ، ويكرمهم المولى بالعيد لتفرح نفوسهم ، ولتبش وجوههم ، وليدخل الفرحة في قلوبهم، فهو يوم العطاء من الله والتراحم من الخلق.

    ويوم العيد يندب لك أخي الحبيب أن تلبس أحسن الثياب ، وتتطيب بأجود الأطياب ، لما أخرجه الحاكم من حديث الحسن السبط قال: (أمرنا رسول الله في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد. وكان النبي يلبس بُرْدًا حَبرَة في كل عيد).

   ويسن للمسلم أن يذهب من طريق ويرجع من آخر لتشهد عليه الملائكة ، لما رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي إذا كان يوم عيد خالف الطريق).

   كما يستحب في عيد الفطر ان يأكل تمرات بعد الفجر إشعارا أنه يوم فطر، ففي البخاري عن أنس بن مالك قال : «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكلَ تَمَرات ، ويأكلُهنَّ وِتْرا».

   كما يسن الخروج ماشيا إلى المصلى لإقامة شعيرة صلاة العيد ، للرجل والنساء ، ففي الصحيحين عن أم عطية - رضي الله عنها - : قالت : «أُمِرْنا - وفي رواية : أمرَنا  أَن نُخرِج في العيدين : العَوَاتِقَ وذواتِ الخُدُورِ ، وأمر الحُيَّضَ أن يعْتزِلْنَ مُصلَّى المسلمين».

   ثم يعود الجميع فرحين ليهنأ بعضهم بعضاً بهذه المناسبة الطيبة ويزور بعضهم بعضاً مع البشاشة والسرور، وهو معلم جميل من معالم العيد عند المسلمين، وتلك إيام عطرة لطيفة لها أثرها في نفوس الصغار والكبار.

     ولئن عاق سير الصائم أخطاء وزلات وذنوب وشهوات، فقد عالج الشرع الحنيف هذه النواقص وهذه الآثار المرَضية العالقة بالروح لا بالجسد، ففي سنن أبي داود بإسناد حسن عن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قال: ( فَرَضَ رَسُولُ الله زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصّيَامِ مِنَ اللّغْوِ وَالرّفَثِ وَطُعْمَةً للْمَسَاكِينِ ، مَنْ أَدّاهَا قَبْلَ الصّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدّاهَا بَعْدَ الصّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصّدَقَاتِ).

    وزكاة الفطر لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر سجود السهو النقصان والخلل في الصلاة، وزكاة الفطر سبب لقبول الصيام، فقد أخرج الضياء في المختارة: (صوم رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلا بزكاة الفطر).

    والمسلم لا ينسى الوفاء لرمضان وذلك بأن يجدد عهده بالصوم في شوال وفي غيره ولا ينقطع عن هذه العبادة الجليلة حتى يأتيه رمضان المقبل، فعن أبي أيوب رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رَسُول اللَّهِ قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر) رَوَاهُ مُسلِم، وهذا هبة من الله في إجزال الأجر بصيام الدهر، فله الحمد والمنة والثناء الحسن.

    وينبغي أن نتذكر هنا أن العيد الحقيقي هو اليوم الذي لا نعصي الله تعالى فيه ،كما قال الحسن :كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد، وقيل لأحد الصالحين: متى عيدكم؟ فقال: يوم لا نعصي الله سبحانه وتعالى، وقال آخر: ليس العيد لمن لبس الجديد وأكل المزيد، بل العيد لمن أمن الوعيد وكانت طاعاته تزيد. وليس العيد لمن لبس الملابس الفاخرة، إنما العيد لمن أمن عذاب الآخرة.

وحينما يقلب المؤمن نظره يمينا وشمالا في حال الأمة يعود نظره متألما وهو حسير مما ابتليت بها أمتنا من كيد العدو وتنازع أخوة الدين وما أفضى عن ذلك من مفاسد في دين الناس ودنياهم على حد سواء، وهنا تتلاشى فرحة العيد وتذهب بهجته من القلوب المكلومة بما ترى..

ما العيد إلاّ أن نعود لديننا…حتى يعود نعيمنا المفقود

ما العيد إلاّ أن نكوِّن أمة … فيها محمد لا سواه عميد

ما العيد إلاّ أن يُرى قرآننا … بين الأنام لواؤه معقود

                               ما العيد إلاّ أن ترى أمتنا   … مجتمع شملها بعد عقود 

بقلم الدكتور: صالح مبارك دعكيك

 *  أستاذ الفقه المساعد بجامعة حضرموت

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص