اعتنى شرعنا الكريم بالأرحام ورغب في كل وسيلة تؤدي الى تقويتها ومن أصولنا (للوسائل حكم الغايات) ولعل مما يوثق عرى الأرحام ويلم شتاتهم ويديم الألفة فيما بينهم التعارف ومعرفة النسب، فالله خلق الناس شعوباً وقبائل وكانت العلة من خلقهم هكذا (لتعارفوا) لا (لتفاخروا) قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) قال الامام قتادة مفسراً الآية: (الشعوب النسب البعيد والقبائل كقوله فلان من بني فلان وفلان من بني فلان) وفي حديث إسناده حسن أخرجه الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الأرحام محبة في الأهل مثراة في المال منساة في الأثر) وشجع العلماء وسلفنا الصالح على معرفة النسب والسؤال عن الأجداد إذا كان الغرض حسناً مثل تقوية صلة الرحم ومعرفة مآثر علماء الأسرة والصالحين منهم لأجل الاقتداء بهم واقتباس أفعالهم وأجمل الأسماء منهم لتوريثها للأبناء، فتجد العلماء تسهيلاً يثبتون النسب بأدنى وأقل دليل بالمقابل حين النفي، فإن النافي مطالب بالدليل الكامل والواضح، قال الإمام ابن قدامه المقدسي في كتابه المغني 5/769: (فإن النسب يحتاط لإثباته ويثبت بأدنى دليل ويلزم التشديد في نفيه، وأنه لا ينبغي إلا بأقوى دليل) فما دام هذا التسهيل في إثبات النسب فينبغي على أسرنا دون استثناء جميعا الاعتناء بذلك ناهيك أن كلها مثبت نبسها مسنداً محفوظاً من العلماء الأقدمين من كل بيت وحذاقه، كما هو مثبت في (الكتب المطبوعة والمخطوطات) فلا علاج للفرقة ولشتات الحاصل في واقعنا المعايش إلا في معرفة الأنساب لأن ذلك سيبعد شقة البعد بمعرفة فلان هو في الأصل رحمك قال السمعاني في كتاب الأنساب 1 / 18: (و معرفة الأنساب من أعظم النعم التي أكرم الله تعالى بها على عباده لأن معرفة تشعب الأنساب على افتراق القبائل والطوائف أحد الأسباب الممهدة لحصول الائتلاف) وهذا واقعي فأغلب أهل بلادنا بمختلف قبائلهم وأنسابهم أرحام بعضهم من بعض وبذلك تزول غشاوة الجهل التي أدت للفرقة والفخر المزعوم وستزول كل هذه الآثار السيئة بمعرفة هذا العلم وهذه مزية أخرى لهذا العلم الرائع (علم الانساب) الذي عنى به أجدادنا الحضارم منذ الأزل كما عنى به كل العرب وينبغي لمن يبحث عن نسبه أن يسأل عنه ممن تتوفر فيه هذه الصفات: (أن يكون تقياً أمينا صادقاً غير كاذب وسليم القلب غير حقود ولا حسود وورعاً عالماً لديه أسانيد وصل النسب محباً لمجتمعه وغيرها من الصفات التي يأمن الناس فيه النقل بكل أمانة وعلم وحب) فاعتنوا يا عباد الله ببيوتكم وابحثوا عن كل وسيلة تؤدي للمحبة والألفة والعزة والرقي، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم والله إنه ليكونن بين الرجل وبين أخيه الشيء لو كان يعلم ما بينه وبينه من دخلة الرحم لردعه ذلك عن انتهاكه) انتهاكه: أي امتهانه وإيذائه واحتقاره وسبه وشتمه وهذا يحصل من الجهلة مريضي النفس الذين يبغون تفكك المجتمعات والتفرقة الكاسدة والخلق كلهم من أصل واحد جامع وهو آدم عليه السلام ومعرفة أصل البشرية لا يعرف إلا بمعرفة النسب وفي هذه المعرفة الكاملة مدعاة للتقارب ونفي كير الأنا المقيت قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا).
بقلم الشيخ : محمد سالم هبيص