يظن الكثيرون أن الدول الغنية وذات الرفاهية الاقتصادية تميل دوماً نحو السلم والوئام ، ويعتقدون أنها تفضل طريق الحلول السلمية الهادئة دون أن تزج بنفسها في أية صراعات أو معارك مع قوى معادية لها ، لكن هذا الظن ربما يكون على خطأ ، ذلك أن الكثير منها أي الدول الغنية والرأسمالية إن لم يكن كلها إن تعلق الأمر بمساس مصالحها الإستراتيجية وأهدافها الهامة المحورية فإنها لا تعرف حينئذٍ أي معنى للصلح والوئام ، وتنقض على من يهددها أو يهدد مصالحها كالثور الهائج وتهاجمه دون رحمة مستخدمة قوتها الضاربة دون هوادة.
من ذلك ما ذُكر أنه خلال الصراع والنزاع بين الأرجنتين وبريطانيا على جزر ( فوكلاند ) ، قيل وقتها لرئيسة الوزراء البريطانية ( مارجريت تاتشر ) : لماذا لا تلجأون إلى مجلس الأمن لفضّ النزاع عوضاً عن اللجوء إلى الحرب؟ ، فذُكر أنها أجابت بما معناه : " لقد تركنا مجلس الأمن للعرب ليرفعوا إليه شكواهم ، أما نحن فننتزع حقوقنا بأيدينا".
لقد صدقت رئيسة وزراء بريطانيا فيما قالت ، ولقد كان في كلامها من الإهانة والحط من قيمة العرب الذين دائماً ما يلجأون إلى مجلس الأمن في كل صغيرة وكبيرة ، وهم يظنون أن عندهم الحل من مشاكلهم وصراعاتهم وضعفهم وتشرذمهم ، لكن تلك الدول لا تتحرك إلاّ في الوقت الذي تمليه عليها مصالحها الذاتية وما يعود عليها بالمصلحة ، وهي تسكت أو تغض الطرف إن لم يكن لها في التحرك مصلحة ، ولعل الدليل القاطع سكوتها وتماديها في الصمت عمّا يحدث لإخواننا الفلسطينيين في غزة على يد الصهاينة المجرمين ، وكذا إخواننا السوريين على يد المجرم بشار الأسد ، فقد قتل منهم عشرات الآلاف وشرد الملايين إلى دول أخرى ، ولا يزال الأسد الخبيث يعيث في الأرض إلى اللحظة فساداً وتدميراً، فأين مجلس الأمن منذ أربع سنوات وأين حقوق الإنسان التي يتشدقون بها ليل نهار، لقد ذهبت كلها أدراج الرياح أو تراها تفجرت مع براميل القنابل المتفجرة التي يطلقها بشار على الناس.
لقد تحرك مجلس الأمن وأصدر قراره بوضع اليمن تحت وصاية الفصل السابع ليس من أجل عيون اليمنيين واليمنيات ليحميهم ممن يريد أن يعرقل ثورتهم أو ممن يروم أن يمحو جهدهم ، بل كل ذلك أتى من أجل مصالحه هو لأنه يعلم أن اليمن بموقعها الهام والاستراتيجي تلعب دوراً هاماً في استقرار المنطقة، وكيف لا يفعلون ذلك وقوتهم قائمة على تدفق البترول العربي، وحياتهم وصناعاتهم واقتصادياتهم تدب فيها الروح من خلال النفط العربي و رؤوس الأموال العربية .
يجب ألا يندّ عن علمنا أن المطالبة بالحقوق لا تأتي من خلال الشكوى المتتالية إلى مجلس الأمن ، وأن الحقوق لا تُنتزع برفع ملفات الشكاوى إلى تلك الدول الحقيرة ، بل يحصل بالقوة والكفاح وتحرير الأرض وحماية العرض ، ولعل الدرس الماثل أمامنا عن فلسطين الأسيرة والقدس السجين يعطينا دليلاً قاطعاً عن أن مجلس الأمن لا يأبه بشكاوانا ولا بآلامنا ولا بصيحات المشردين واللاجئين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين ، فماذا فعلوا لهم منذ عام 1948م ، إنهم لم يزيدوهم إلاّ بلاءً ومحنة ، بالمقابل فقد دعموا ربيبتهم إسرائيل بأنواع الأسلحة الفتاكة التي مكنتهم من تثبيت أقدامهم أكثر وغرس أساساتهم بشكل أشد على الأرض الفلسطينية العربية الإسلامية الطاهرة ، ولا يزالون على دعمهم ذاك فمتى نصحو من غفلتنا؟!.
بقلم : أحمد عمر باحمادي