حينما تنـأى بنفسك عن خلق التواضع، ويستولي عليك الكبر والغرور تكون قد حكمتَ على نفسك بالموت البطيء، تماماً مثلما كنتُ أفعل، لقد كنتُ أسعى بنفسي نحو الهاوية، كنتُ أتعالى على الجميع وأحتقرهم، وأرى نفسي في منزلة أرفع منهم، أصدقائي الذين في سني كنتُ لا أتنازل لهم، أراهم يلعبون ويضحكون ويلهون فأود أن أشاركهم اللعب ، لكنّ غروري اللعين كان يمنعني من اللهو اللذيذ الذي كانت نفسي تتوق إليه بشدة، وتحنّ إليه روحي السقيمة، هم يدعونني أن أشاركهم مجالسهم بمحبة وتعامل، لكنني كنتُ حينها أشمخ بأنفي وأمرّ صامتاً لا أكلم أحداً، وفي أحسن الأحوال أعتذر لهم ببرود ولامبالاة بأنني مشغول جداً، وأن وقتي الثمين لا يسمح لي بالجلوس، فأنصرف وفي داخلي ألم شديد؛ أحاول جاهداً ألا يشعروا به في نفسي، مع أن الحقيقة أنني لم أكن أملك وقتاً ثميناً في الأساس، لقد كنتُ أقضي وقتي أمام شاشة الحاسوب أحلق في فضاءات العالم الافتراضي بعد أن فقدتُ آمالي وبراءتي في العالم الحقيقي. فقدتها باختياري وإصراري وكبريائي الفارغ وغروري البائس.
وبالإضافة إلى تلك الحالة التعيسة، التي كنت أعيشها بكبرياء وغرور مع من أعايشهم كأصدقائي وإخوتي وأقاربي وكل من حولي، فقد كانت علاقتي بخالقي ليست على ما يرام، لقد كان يبدو لي أن ما أفعله خطأ لكنني كنتُ أكابر وأكابر، حتى وصل بي الحال إلى ترك الفرائض والواجبات، وقصّرتُ في جنب الله كثيراً، وأصبحت لا أحرص على الصلاة رغم أن من حولي يحرصون على تنبيهي، لقد بلغ بي الزهو أن أرفض الذهاب إلى المسجد، وكنت أنهر من يأتي لينتزعني من عالمي الكئيب رافضاً أداء الصلاة، يا لها من لحظات تلك التي كنتُ أحياها.
ولستُ في حاجة أن أقول أنني كنتُ في تعاسة ما بعدها تعاسة، هل تتوقعون أن من ترك الصلاة استكباراً وتعالى على الناس يعيش في سعادة وسرور؟!، لقد استولت الهموم على قلبي، وعاث الشقاء في نفسي خراباً، وحلقت غربان البؤس على أطلال روحي المنهارة، لم أعد أحتمل ما أنا فيه، لا طاقة لي بهذا العذاب.
وبعد أن تصيبني الهموم و الأكدار، طالما أجلس أمام البحر أبثه شكواي وآلامي، ونسيتُ حينها خالقي الذي هو أقرب إليّ من حبل الوريد. عندما كنتُ في غفلة وضياع، لم أكن أعلم أن سعادتي التي كنتُ أتخيل أنني فقدتها إلى الأبد، تقف في انتظاري عن كثب، لكنّ حُجُب الغرور كانت تحول بيني وبين رؤية تلك السعادة . كان الهم يخيّم على قلبي في كل مكان، في قاعة الدراسة، في خروجي وممشاي أمام البحر، وأنا أسوق درجاتي، وحتى بين مائدة الطعام، لقد كانت مشاعري في غاية الحزن.
وبينما كنت أحيا على نفس المنوال أصابتني وعكة صحية، لقد جعلني المرض طريح فراش المستشفى، وبينما كنت في غمرة الحزن والمرض أغمضتُ عينيّ الكئيبتين، لكنني لما فتحتهما رأيت أصدقائي على جنبات السرير، كانت ابتساماتهم تتسابق إلى قلبي قبل عيني، لقد كانوا فرحين بتماثلي للشفاء وزوال حالة الخطر التي كنت فيها، قدّموا إليّ الهدايا، لكن نظرات الرحمة والود والإشفاق التي كانوا يغمرونني بها كانت أغلى عندي من هدايا الدنيا كلها، وحينها بدأ في داخلي صراع مرير؛ فهؤلاء الذين كنتُ أعاملهم بازدراء وتعالٍ ها هم يغمرونني بالمحبة ويحيطونني بالاهتمام، وبين ماضٍ مظلم كنتُ أعيشه وحاضر أحيا تفاصيله كانت نقطة التحول، لقد عزمت على ترك غروري وتوثيق علاقتي بأصحابي، وقبل ذلك بربي وخالقي، حافظتُ على صلاتي وقراءة القرآن في المسجد.
في النهاية علمت أن خلق التواضع كفيل بأن يجعلني أحيا حياة جميلة، بعيدة عن التوتر والخصام، ربما يكون من الصعب أن يخرج الإنسان عن المألوف، لكنني علمت أن الأمر يستحق، بالفعل هو يستحق كل جُهد لأنك حينها حتماً ستعيش الحياة بإيقاع متناغم.
بقلم : أحمد عمر باحمادي