تعرف المراجع العلمية الحمى بأنها: ارتفاعٌ في درجة حرارة الجسم فوق المعدل الطبيعي المتوسط الذي يقدره الأطباء ما بين 35.9 - 37.5 درجة مئوية.
وهي إحدى إشارات التنبيه الطارئة التي خلقها المولى اللطيف الخبير جل وعلا للتحذير من اضطرابٍ وعدم استقرارٍ داخل أجسامنا.
وعلى الرغم من أن أسرار الحمى لم تكتشف بالكامل بعد من كل جوانبها، إلا أن من المجزوم به أن ظاهرة الحمى وارتفاع درجة حرارة الجسم فوق معدلها تنتج عن: أسباب غير التهابية كالإصابة بفقر الدم، أو الحروق، أو ضربة الشمس، أو قصور عمل القلب، أو بعض أمراض الكبد، أو بعض أنواع السرطان. أو أسباب التهابية ناتجة عن دخول أحياء مجهرية دقيقة كالبكتريا وفيروسات الأنفلونزا.. وتكاثرها بداخل الجسم.
مراحل مقاومة الجسم:
1) عند مهاجمة الأحياء الدقيقة للجسم تفرز سموماً، فتتصدى لها أجهزة المناعة والكريات الدموية البيضاء فيه بكفاءة عالية فتقضي عليها.
2) تُدار معركة حتمية الوطيس بين أجهزة المناعة في الجسم وبين جحافل الجيوش الغازية، فإن عجزت أجهزة المناعة عن التصدي بسبب ضعفها وكان النصر للجانب الأقوى، تخترق الأحياء الدقيقة أنسجة الجسم وتتكاثر فيها وتبني مستعمراتها، وهي بيئة مناسبة تتكامل فيها عناصر الغذاء التي تحتاجها هذه الأحياء لتنمو.
3) فيظهر خط دفاعي آخر في الجسم أوجده المولى اللطيف الخبير جل جلاله، هذا الخط الدفاعي هو (الحمى) ذات التأثير المفيد العامل على وقف تمدد بناء مستعمرات الأحياء الدقيقة في أنسجة الجسم. إذ الإصابة بالحمى تؤدي إلى تفاعلات وتغييرات فسيولوجية كبيرة لا تستطيع تلك الأحياء المجهرية التعايش معها، فارتفاع درجة حرارة الدم بيئة غير مناسبة لنمو البكتريا والفيروسات، فتفقد القدرة على العيش وتموت تدريجيا.
4) وهناك ظاهرة حيوية أخرى تعمل على تكرينها الحمى في جسم الإنسان إذ تعمل على إنتاج جزيئات بروتينية تصنعها خلايا الجسم لها خواص مضادة ومنشطة تقمع الأحياء الدقيقة وتزيد مقاومة أجهزة المناعة في الجسم..
5) كما تصيب الحمى الجسم بالوهن والضعف العام وآلام المفاصل والعضلات مما يجبره على طلب الراحة والتزام الفراش، وفي هذا فائدة عظيمة إذ توفر أجهزة الجسم لأجهزة المناعة طاقة عظيمة تستعين بها في معركتها ضد جحافل الجيوش الغازية من البكتريا أو الفيروسات فتشل حركته وقدراته الهجومية.
6) فإن استخدم المريض حماماً من ماء بارد كان ذلك مما يعين على سرعة الشفاء بإذن الله ففي الحديث: (إنما الحمى أو شدة الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء) [رواه البخاري ومسلم ] وفي مسند أحمد: (الحمى قطعة من النار، فأبردوها بالماء البارد) وعندما سبَّ رجلٌ الحمى عند النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تسبها، فإنَّها تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الحديد) حتى قال ابن القيم غفر الله له:
زارت مكفرةُ الذنوبِ لصبِّها أهلاً بها من زائرٍ ومودعِ
قالت: وقد عزمت على ترحالها ماذا تريدُ فقلت: أن لا تقلعي
7) فمما يقوي مقاومة أجهزة المناعة كمادات الماء البارد.
8) إذن فارتفاع درجة حرارة الجسم شيئا بسيطاً لا ينبغي أن يدفعنا إلى القلق والإسراع في خفض درجة الحرارة، إذ لا بد من إعطاء الحمى فرصتها للعمل الحيوي.
9) فإن ارتفعت الحمى ارتفاعاً شديداً وبلغت درجة حرارة الجسم 40 درجة مئوية فأكثر هنا لا بدَّ من تدخل الطبيب فإن ذلك قد يكون ذا أثرٍ سلبي على صحة الجسم، وقد يصاحبه ضرر بالجهاز العصبي..
* العلاقة خفية بين أجهزة الجسم وهي كذلك بين المؤمنين :
وقد رأيت أن الحمى الخفيفة صديقاً مخلصاً يعمل لصالح الجسد كله، ولحماية أنسجته كلها، هل تستطيع أن تستنبط بعض معاني ما في حديث: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) [رواه مسلم]؟؟
إن الذي أكده الحديث ضرورة أن يتآلف مجتمع المؤمنين، ويتوادَّ أبناؤه ويتراحموا بينهم ويتعاطفوا حتى يكونوا كالجسد الواحد، الحمى خير ما يخفف عنه بعض آلامه، فإن أصابه شيء طارئ من ضيق أو مرض تنادى له الجميع وهبوا لنجدته حتى يبرأ ويتجاوز محنته بإذن الله..
محمد يسلم بشير