▪️تتسابق أمواج البحر ما إن ترى السواحل القريبة منها لتلقي بزبدها على رماله الناعمة.
▪️وإذا لم تدرك هدفها تتراجع بهدؤ حذر ؛ لأنها تعلم أن المرة القادمة سيكون حظها أوفر وأقوى.
▪️وأنت تنظر إلى ذلك تقول: ما هذا السباق النشط ، والإصرار الدؤوب، والعناد العاتي ؟!. لكنها لا تصغي لك ، ولاتبالي بمقولتك ، ولا تتوقف لتجيبك. فقط حسبها الإنشغال فيما هي فيه ؛ لأن سؤالك تجيب عليه تلك الصخور على الشواطئ التي حوَّلها الموج الى صخور ناعمة ملساء بعد أن كانت تتلبد بالخشونة.
▪️إن هذا الدرس يتعلمه أولئك المولعون بارتياد السواحل فتتحول حركاتهم وأفعالهم إلى أمواج بكر تتدفق على سواحل الحياة فتحيل نتوءات أحداثها إلى قوالب ممهدة يسهل التعامل معها.
▪️ومهما تكالبت الأحداث وترسبت فإن من يجيد هندسة هذه الأمواج الرقمية يقهرها بعناده الذهبي اللامع.
▪️إن إدامة الطرق على الأبواب المقفلة سيفتح لك أحدها حتما ومنه سيكون الدخول إلى عالم الإنفراج . وأولئك الذين يلقون بكومة المفاتيح التي بأيديهم بعد محاولة الفتح بها تعبيرا عن انزعاجهم ونفاد صبرهم يتحسرون عندما يعرفون أن المفتاح الأخير الذي لم يجربوه هو المفتاح المناسب.
▪️إن الإستمرار في اللحظات الفاصلة الحرجة حين يترك الناس هو ذروة المجد الذي عناه "فونسيس دروبي" حين قال: "لكل أمر عظيم لابد من بداية ... ولكن الاستمرار حتى النهاية هو المجد الحقيقي."
▪️نحتاج لمتأنٍ فطن يجيد لغة الإصرار ويصنع للأقفال المحكمة مفاتيحَ شتى ، لاتربكه فقاقيع الأحداث اللحظية عن البقاء في نفس الإتجاه وعدم الإلتفات للأصوات المزعجة التي تطمع بزحزحته عن مساره. بنفس الطريقة التي أوحى الله بها لنبيه لوط - عليه السلام - حين طلب منه الإستمرار بالمضي وعدم الإلتفات (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) [هود : 81].
▪️إن الإستمرار في خط السير وتكرار المحاولات الذكية التي تقود إلى التحولات التأريخية هو نفسه ما فكر به ثاني أكبر مخترع في العالم بعد أن جرب أكثر من 20 ألف اختبار لم يفلح بعدها أن يعثر على الفتيل الذي ينتج الضوء. فصاح مساعد صغير له بإحباط : لم نفلح بعد عشرين ألف اختبار.
فأجاب العبقري : نعم ولكننا نعرف الآن عشرين ألف شيئا لايعمل.
▪️مكّنَت هذه الروح "أديسون" من الإنجاز وقادته تلك الأمواج الرقمية التي امتلكها لتغيير مجرى التأريخ.
▪️لغة لا يفهما العجزة الذين سرعان مايشعرون بالملل من المحاولات المؤسفة التي لاتقودهم لطريق الخلاص ، بل وترتد إليهم أبصارهم خاسئة تتحسر عندما يجدون الخرسانات المسلحة أوصدت دونهم لايستطيعون لها نقبا.
▪️لقد علمنا الله تعالى أن نستخرج من المستحيل ممكنا حين قال: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا). [يس : 80] . وهي مهمة يلهمها الله من يشاء من عباده فكم من المستحيلات عبر التأريخ آلت إلى ممكنات عندما توفرت مواد تحويلها ومختبرات أسبابها.
▪️لكن "المرونة" هي (الترانزستور) الفاعل في مكونات هذه التقنية . فإن تكرار المحاولات نفسها ضرب من العبث. كأسلوب التماسيح في أدغال إفريقيا عندما تشعر بالملل من انتظار الفريسة دون أن تقدم ابتكارا لمحاولة صيدها فتخلد عندها للنوم تريح به أعصابها المتوترة. فأي محاولة جديدة لابد أن تكون بطريقة أخرى تبعا للقاعدة الشهيرة التي تقول : "إذا استمر فعلك بنفس الطريقة فستجني دائما نفس النتيجة".
▪️لقد قضت شركة (نوكيا) العملاقة نحبها حين أخطأت هذه القانون العارم.
▪️فرفض رئيس الشركة (الفنلندية) عرض "أندي روبن" وسخر من نظامه الجديد "الأندرويد" فباعه إلى (جوجل) وكانت لحظة الوفاة سببها غرور الكبار عندما يقف مجابهاً للعواصف العاتية دون الانحناء المرن لمرورها بسلام.
▪️وهاهي تدفع ثمن هذا الكبرياء الخَرِف فتقضي نحبها بسلام بعد عدة محاولات لإنعاشها دون جدوى وتباع ب( 7.2) مليار دولار بعد إن كانت قيمتها قبل 6 أعوام أكثر من (125) مليار دولار.
▪️نهاية حتمية أليمة نهديها لمن يجيد فن الاعتبار والقياس ، ومن يحب الاستحمام في الماء الآسن فدونه البحيرات المتعفنة، ومقابر التأريخ بانتظاره.
▪️إن توقفنا عن المرونة والإبتكار فرحا بما نملك هو السم الزعاف الذي قاد نوكيا ومن بعدها (بلاك بيري) إلى المقابر التأريخية.
▪️وتلك هي أقرب طرق النجاة وإحراز الهدف الذي ولدنا لتحقيقه ، أما أولئك الباكون على أطلال الماضي فحري بهم التوقف عن مضغ تلك العلكة الرديئة فإن من يبقى خلف أسوار المشكلات لن يقدم شيئا لحلها..
▪️مؤذٍ فعلا أن يبقى الإنسان هناك.
▪️لابد أن نغادر تلك البقع الداكنة لسبب بسيط هو أننا لن نجد أي فائدة تعود علينا إن بقينا هناك.
▪️(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) [البروج : 13].
✏️بقلم/ الخضر سالم بن حليس