لا أستطيع أن أنكر حق الفتاة في اكتساب التعليم، فهو حق قد كفله لها الشرع الحنيف والقوانين البشرية ولا ينتزعه منها إلا كل مستبد شرير، كما لا أستطيع أيضاً أن أنكر تسليم الفتاة الجامعية وإدراكها لأهمية الحجاب الشرعي ونزولها عند حدود الشرع دون تمرد أو تلكؤ.
وتحضرني هنا ـ كوني حديث التخرج ـ العديد من صور البهرجة والزينة التي طرأت على ألبسة الطالبة الجامعية ـ إلا من رحم الله وقليل ما هنّ ـ حتى رأينا التباري والتنافس في استجلاب الغريب منها، الذي يلفت الناظر ويشغله حتى لو أراد الغض من بصره أو الإعراض.
ومما زاد الطين بلة هو بلوى الاختلاط بين الشباب والشابات في الجامعة ليجد الشاب نفسه وقد أحيط فتنة وسط تلكم الكرنفالات الملونة والتفصيلات الملفتة للحجاب، وإذا كان الاعتراف بالحق فضيلة فإنني أعترف أن كل شاب مكتمل الشباب، تفور بين جنباته دماء الحيوية والنشاط ليس بمنأى عن الافتتان بتعدد مظاهره، والمسألة أشبه بوضع البنزين أمام النار، أو أشبه بأكلة شهية مزدانة بأصناف الطعام وقد وضعت أمام جائع شديد الجوع والسغب.
وهنا أجد من الإنصاف أن أقول: أن الشاب المطالب بأن يحفظ أخلاقه عن الانفلات، ويقبض على جمر العفاف بكل قوته هي دعوة ناقصة إن لم يستتبعها حث الشابات أنفسهنّ أو حتى منعهن بالحكمة والموعظة الحسنة عن إثارة مشاعر الشباب بثيابهن المزينة وحجابهن الفاتن وسَوق ضعاف النفوس منهم إلى إبداء مظاهر متنوعة من قلة الأدب مما نسميه بمصطلح ( المراهقة ) الذي استشرى في جامعاتنا حتى أصبحت ممراتها طرقاً للرائح والغادي ليصطاد فرائسه من ضعيفات النفوس أيضاً مستغلاً مكانة العلم وثقة الأهالي في انصراف بناتهنّ إلى مكان مأمون ليصير وكراً موبوءاً للذئاب البشرية، دون أن يعلم أحد أو ربما علم ولكنه تعامى أن مصدر الشر ذاته ربما تأتّى من أزياء الطالبات نفسها، وجعلهن من أنفسهن وأجسادهن كلأً مباحاً تطؤه نظرات الجائعين، وترنو إليه أبصارهم الخبيثة.
من المؤسف حقاً أن نرى التبرج وظهور أنواع شتى من الأزياء بين طالبات الجامعة يزداد كل عام، فكأنما مصداق ذلك ما جاء في الأثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بما معناه: " لا يأتي على الناس زمان إلا الذي بعده شر منه"، وكم سمعنا من طلاب أقدمين قد تخرجوا منذ سنوات قد أدركوا تغير الحال عمّا كانوا عليه، فمما كان يعدّ في وقتهم شيء من التجاوز وقلة الحياء، لو بقي اليوم لكان أمراً طبيعياً أو محموداً وسط الموج الهائج من الزينة والتبرج والانفلات حتى رأينا أن من الطالبات من لا تستنكف أن تحضر معها في حقيبتها المرآة وأدوات الزينة ومساحيق التجميل لتستخدمه إذا عنّت لها الفرصة.
لا ينبغي لنا السكوت إزاء هذا الواقع المرير، وقد تنوقلت بشيء من التكتم بعض حوادث اللقاءات المريبة المنفردة بين طلاب وطالبات، وبين طالبات وأشخاص من خارج الجامعة يذهبن إليهم في غير أيام دراستهن ووقوع بعضهم الآخر في حبائل الحب والعشق فيما بينهم، والخوف كل الخوف من أن تزداد هذه الآفة بمرور الوقت، إذا لم يهتم الجميع ويبدي استعداداّ لقطع دابر الفتنة الذي نرى أن من أسبابها التبرج وخروج حجاب الطالبة عن حدود الشرع والاحتشام، وأسباب أخرى كثيرة ظهرت يوم اتسع انفتاحنا غير المنضبط مع الوافد القادم من كل أصقاع المعمورة.
بقلم : أحمد عمر باحمادي