سمعنا قبل أيام عن عدد من حوادث الاختطاف حدثت لنساء راشدات وبنات عفيفات في عمر الزهور في مناطق شتى من محافظتنا ( الآمنة ) حضرموت !، والحق أن الكلمات تقف في الحلق هلعاً من هول ما وصل إليه حالنا في هذه الأيام، إذ أصبح الواحد منا لا يدري ما شأن تلك البلاوي التي ( تتحذف ) علينا ولعل أقساها ما يمكن أن يصيب العرض وهي قاطمة الظهور.
أجد نفسي مضطراً هنا إلى أن أُلقي باللوم على مجتمع أصبح شريكاً بصمته وسكوته المُطبق في استفحال مثل تلكم الجرائم، فأي أسرة ـ لا قدر الله على كل مسلم ـ أصيبت بمثل هاتيك المصيبة فإننا نراهم يتكتمون ويحرصون على عدم التبليغ أو الاستعانة بالموثوقين، راضين من الغنيمة ـ المصيبة ـ بالإياب، ورغم ذلك فالأخبار لا تبقى طي الكتمان بل تنشر على نطاق واسع يساعدها في ذلك وسائل الاتصال الحديثة من مواقع إخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها.
وهنا ندرك حجم التنكر الغريب والعجيب الذي يبديه المجتمع في حال تلقي مثل هذه الأحداث، فنجد الكثير ينفي وقوع تلك الحوادث، وآخرون ينعتون من ينشرونها بأنهم يروجون الأكاذيب والشائعات، بينما إن صدق شيء منها على الواقع لم يبدِ المنكرون حراكاً، وصدق فيهم قول القائل :" خطب جلل أن تسبى الحرائر و لا يتحرك الرجال !!"
يحدث دوماً أن تخرج بناتنا أو نسائنا أو قريباتنا في أوقات تقل فيها الحركة، كالذهاب إلى عرس أو أحد الأفراح أو المآتم مثلاً في وقت الظهيرة أو المكوث والعودة في وقت متأخر من الليل، أو العودة من دراسة مسائية أو صباحية في حالة التلميذات والطالبات الضحايا دون أن يصحبها في رواحها وإيابها أحد من محارمها، وهنا يكمن الخطر.
أيها السادة : يجب أن تدركوا أن المتربصين كُثر ومن العار أن نظل إلى الوقت الحاضر بهذه السذاجة في زمن طغت فيه الفتن وادلهمت الخطوب وشاعت المصائب، وحتى ندرك أهمية الأمر فليتخيل أحدنا غياب أحد أفراد أسرته ابنته أو زوجته أو أخته أو عمته أو خالته أو غيرهن ثلاثة أيام متتالية عن البيت في ظروف غامضة، ثم يتم إيجادها بعدئذٍ مرمية في مكان ناءٍ أو حتى تعود مجدداً للبيت بحالة نفسية محطمة بل مدمرة وقد فقدت أغلى ما تملك من عفافها وسترها بعد أن تم احتجازها من قبل من لا خلاق لهم ومورس معها أبشع أنواع الانتهاك التي لا ترضاه الحرة في عرضها.
لقد بدا واضحاً أن تعويل المجتمع على الأجهزة الأمنية بات معدوماً أو شبه معدوم، في ظل انفلات أمني مخيف ومريع، وتقاعس ملحوظ في أداء الأدوار وغياب شبه تام عن نجدة الملهوف سواءً من جانب الأجهزة الأمنية ـ كما ذكرنا ـ أو حتى من جانب أفراد المجتمع تجاه بعضهم البعض، فالكل يخاف أن يُتهم أو يُشار إليه بتورط في أمر لا يعرفه، ومن هنا اتسعت هوة السلبية بين المجتمع وصار الكل منكمش على حاله للأسف الشديد.
من نكد الدنيا أن يبتلينا الله بذئاب بشرية بلغت حداً فاق كل توقع، وطغت على قلوبهم القسوة وموت الضمير والتجرد من كل معاني الإنسانية ناهيك عن الرجولة والشهامة، لذا يجب على المجتمع ألا يتساهل مع هؤلاء الحمقى، وألا تستدعي تلك الأحداث مزيداً من السرية والتكتم، فالسكوت هو الموت الزؤام الذي تكمن بين طياته الهلكة، ولا يغرنكم من يقول أن السكوت خير فـ "الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة" كما يقولون.
والحق ـ في الختام ـ أننا نقول هذا الحديث ـ رغم آلامه ـ حباً في مجتمعنا الغالي على قلوبنا، وتحذيراً من كل مكروهٍ يمكن أن يصيبه، وإعذاراً إلى الله عز وجل. اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.
بقلم : أحمد عمر باحمادي