لعله يبدو من السابق لأوانه أن نطالب بحماية المواطن المسكين من الفواكه الفاسدة التي صارت تُباع في الأسواق بكميات ضخمة دون حسيب أو رقيب، في وقت انفلتت فيه أزمة كل شيء فصار المحظور هو المشهور، وأصبحت الجريمة تُعرض على الناس جهاراً نهاراً، إذ ليست جريمة اغتيال بالدراجات والسيارات والمسدسات والقنابل وتفجير البيوت والمؤسسات بل قتل بالكيماويات والأطعمة الفاسدة والسعر ـ سعر الموت ـ الرخيص.
قبل أيام قلائل طالعتنا الأخبار عن نبأ التخلص من كمية كبيرة من فاكهة البرتقال الفاسد ـ إن كان حقاً يصلح ما نسميه منها برتقالاً ولو كان صالحاً ـ من قبل مكتب الأشغال بمديرية الشحر بمحافظة حضرموت، حيث تم إتلاف الفاكهة بعد أن ضبطت بحوزة أحد الباعة بالسوق وهو يتأهب لبيعها للمواطنين، وهنا لا ندري هل نلوم البائع الذي ربما اشتراها من تاجر أكبر منه على حالتها تلك، أم نلوم المواطنين الذين يتكأكأون إن رأوا أمثال تلكم الفواكه المعروضة بأسعار الكيلو الرخيص، أم نلوم جهات الاختصاص التي أخلّـت بمهامها في حماية المستهلك مما قد يضره.
في وسع المرء أن يدرك الحال التي وصلت إليها حياتنا من تخبط وعشوائية، بل بتنا لا نفرق بين ما هو جيد وما هو فاسد وصرنا من أجل ملء البطون وتخفيف الضغط على الجيوب نملأ أجوافنا بالفاسد أو شبه الفاسد من المطعومات، بل الأدهى من ذلك أن نرى البعض وفي الغالب يكونون من ذوي الظروف المعيشية الصعبة والمعقدة يقوم بجولة تمحيصية للبحث عمّا رخُص ثمنه وكثر عدده أو ثقل وزنه ليشتري ما لذّ وطاب منها كأنه أعمى لا يرى، أو دون أن يكلف نفسه ولو وقفة بسيطة بينه وبين ذاته ليرى أو يتأكد من صلاحية ما سيجلبه لأسرته ولأبنائه الصغار من رزايا وبلاء.
معظم الأمراض الغريبة والعجيبة ومن أكثرها السرطانات التي تفشت في مجتمعاتنا لا شك أن للأطعمة والفواكه الفاسدة دور لا ينكر في استفحالها، ومن منا لا يخطئ النظر ليرى في السوق والمحلات وبساط الباعة الفواكه والخضار التي تعددت ألوانها في الحبة الواحدة، فحبة الطماطم على سبيل المثال لم تعد حمراء قانية الحمرة بل صفراء يخالطها لون أحمر باهت وخُضرة فصارت كأنها كشكول من الألوان، وقل مثل ذلك في الموز الأصفر المشرب بخضرة والمانجو، وهكذا بقية الخضار والفاكهة من أثر المواد الكيميائية المسرعة للنضج.
إن عمليات غش الناس ببيع الفواكه أو الخضار الفاسدة، أو العمل على خلط الفاسد بالصالح ليسهل تصريفها للناس دون أن يلاحظوا الأمر؛ جريمة لا يرتضيها أحد مهما بلغت به القسوة وحب المال و استغلال الظروف المنفلتة لتبرير مثل هذا العمل اللا مسئول، وعلى الجهات المختصة ومؤسسات المجتمع المدني والملتقيات التطوعية المهتمة بما يستهلكه المواطن القيام بين الفينة والفينة بحملات تفتيشية لضبط التجاوزات، ومصادرة السموم المهلكة وعدم التهاون مع مرتكبيها، وحث المواطنين على الإبلاغ عن ما يتم بيعه أو تداوله منها.
يجب أن توجِد السلطة المحلية بالمحافظة والجهات ذات الاختصاص آلية محددة لعملية فحص ما يستجلب إلى أسواقنا من بضائع للتأكد من مدى تناسبها للاستهلاك الآدمي، وتوافقها مع المعايير العالمية وأسباب الأمن والسلامة الصحية للمنتجات الزراعية أو الصناعية لأنه بصراحة أصبح الحال لا يطمئن، والحابل قد اختلط بالنابل. فمن العار حينئذ أن نكتمها شهادة لله ثم للتاريخ
بقلم / أحمد عمر باحمادي